كان الجامايكي أوساين بولت الذي خاض السبت سباقه الفردي الأخير في بطولة العالم في لندن محرزاً برونزية 100 م، أيقونة أم الألعاب في آخر عشر سنوات، أنقذها من هرب مشجعيها لكنه سيترك حملاً ثقيلاً بعد تركه المضمار. سيكون قريباً من الإعجاز الاقتراب من أرقام بولت واستعراضه اللافت بعد تحقيقه كل انتصار. كان هدية هابطة من السماء للقيمين على ألعاب القوى، مثل البرق الذي يرسمه بعد كل إنجاز يسطره على المضمار. أسدل الستار على مسيرته في لندن حيث أحرز ثلاثية تاريخية في أولمبياد 2012 في 100 و200 و4*100 م، ويبقى له سباق أخير في التتابع مع منتخب بلاده السبت 13 الجاري. ويعده رئيس الاتحاد الدولي البريطاني سيباستيان كو المعروف بندرة إشادته للعدائين "(الملاكم الأميركي الراحل) "محمد علي ألعاب القوى"، سيترك ارثا من الصعب تعويضه في السنوات المقبلة. جمع بين شراسة المضمار وشخصية استثنائية ممزوجة باستعراض فطري. يختلف بولت عن كل عدائي العصر الحديث الذين يحسبون ألف حساب لتصرفاتهم داخل وخارج المضمار. بابتسامة عريضة لا تفارق محياه ورقصات قصيرة قبل كل سباق، أصبح معشوق الجماهير، وتحولت حركة "البرق" الشهيرة التي يمد من خلالها يديه وذراعيه نحو السماء، إلى أشبه بعلامة مسجلة باسمه بعد كل فوز، وتكرر تقليدها في العالم بأسره حتى من قبل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عندما قام بزيارة رسمية إلى جامايكا عام 2015. كان لنجاحاته جوانب اقتصادية، فبحسب تصنيف 2017 للرياضيين الأعلى دخلاً الذي أجرته مجلة "فوربس" الأميركية، حل بولت في المركز ال 23 مع 34,2 مليون دولار كأرباح سنوية، يعود 94 بالمئة منها من الشركات الراعية له. حطم بولت كل الأرقام القياسية من خلال حصوله على مكافأة مشاركة في كل لقاء لألعاب القوى تصل إلى 300 ألف دولار، وهو ما يعتبر غير مألوف في رياضة تعاني من ضعف الإيرادات المالية. شغوف بكرة القدم ومشجع لنادي مانشستر يونايتد الإنكليزي. لديه 4,76 ملايين متابع على "تويتر" و7,1 ملايين على "انستغرام"، ما يجعل منه "قوة" اقتصادية ومالية قادرة على توفير جني المزيد. عام 2002، وبعمر 15 عاماً و232 يوماً، أصبح ابن مقاطعة تريلاوني، أصغر بطل للعالم في تاريخ فئة الناشئين في سباق 200 م. رقم قياسي تبعه بعض الاضطرابات، حتى تكيف جسده مع نموه. كان يعاني بولت في صغره من فارق في طول ساقيه يبلغ 4ر1 سنتم. قد لا يكون الأمر خطيراً، لكنه بمثابة الكارثة لمن يريد احتراف الرياضة على أعلى مستوى. قال الأطباء: إنه جنف (انحراف في العامود الفقري) معطل لمسيرته. لا أحد يعرف اليوم ما إذا كانوا قد اعتزلوا الطب. في ألعاب بكين 2008، كانت "الخبطة" المسرحية الأولى في عالم سباقات السرعة. اقتصرت المنافسة آنذاك على أصحاب العضلات والمشاكسين، وبولت ليس كذلك. بولت مرح، طويل (96ر1 م) ونحيف، يلاقي صعوبة في الانطلاق من حارته مقارنة مع باقي العدائين المفتولي العضلات. لذا بدأ يغني، يرقص، يمرح مع الجمهور، يقلب الضغط على خصومه فيخضعون لابن الجزيرة الكاريبية. لهذا السبب قبل كل شيء أصبح بولت رمزاً: أي طفل صغير، في مكان ما من هذا العالم، يتخذ وضعية الجامايكي وحركة يديه الشهيرة، بعد إنهائه سباق سرعة بكل طاقته. مع مرور الوقت، تطورت شخصية بولت إلى حد تخطت فيه الطرف المعني. اتخذت هالته أبعاداً خيالية في بطولة العالم لألعاب القوى 2015 في بكين. كانت مواجهة بولت-(الأميركي) غاتلين مثل المواجهة بين الخير والشر، مواجهة عداء نظيف، حتى إثبات العكس، أمام متنشط أوقف مرتين. في بكين 2015، وصلت أصداء الارتياح الذي خلفه فوز +بولت المنقذ+ بفارق واحد بالمئة من الثانية، حتى زوايا ملعب عش الطائر، وفي أولمبياد ريو 2016 رفع الفارق مع غاتلين إلى 8 بالمئة من الثانية، قبل أن يسقط أمامه في نهائي مونديال 2017. أصبح بولت كبيراً، شعبياً وجالباً للأرباح. بولت هو أيضا عبء ثقيل على ألعاب القوى. ثماني ذهبيات أولمبية (حرم من ذهبية التتابع في بكين 2008 بسبب تنشط زميله نيستا كارتر) و12 عالمية، قد ترتفع إلى 13 بحال تتويجه في التتابع، رفعته إلى مصاف الأساطير الحقيقيين في رياضة دخل قلوب مشجعيها قبل عقولهم. بولت هو استثناء ثري في رياضة فقيرة. اعتزاله فجر قنبلة مدوية مثل الرعد الذي يلي البرق!.