الجامايكي أوساين بولت ماهر في استخدام الحرب النفسية التي تدمّر منافسيه، لا سيما الأميركي جاستين غاتلين. إنها «قوة ناعمة» لا يتقنها غيره، وكانت فوائدها مثالية فجر أمس (بالتوقيت العالمي) حين أنجز الفصل الأول من رهانه المتمثّل بالاحتفاظ بألقاب السرعة الثلاثة (جري ال100 وال200م والبدل 4 مرات 100م) في دورة ريو دي جانيرو الأولمبية، وكان أول الغيث فوز صريح في ال100م مقروناً بفواصل من الاستعراض والمرح. في الوقت نفسه فازت العداءة البحرينية المولودة في كينيا روث جيبيت بذهبية ثلاثة الاف متر موانع في الاولمبياد أمس وكادت ان تحطم الرقم القياسي العالمي. وأحتلت جيبيت التي قدمت عرضاً قوياً، المركز الأول بزمن ثماني دقائق و59.75 ثانية لتقترب من الرقم العالمي البالغ ثماني دقائق و58.81 ثانية والمسجل باسم الروسية جلنارا جالكينا في دورة بكين 2008. وذهبية جيبيت هي سابع ميدالية لرياضيين عرب في الدورة. كما كان منتظراً من «البرق» بولت، ضرب ضربته مجدداً، فأحرز لقبه الأولمبي الثالث توالياً في ال100م، وهي سابقة في تاريخ الألعاب على صعيد هذه المسافة، مبدداً الشكوك كلها حول جهوزه البدني وتأثير شكواه من إصابات، لا سيما في ظهره وفخذه، أخّرت تحضيراته في الشهرين الماضيين. وإذا كان المدرّب غلين مايلز أوضح العام الماضي بعد فوز عدائه في بطولة العالم في بكين، أن بولت حقق أجمل انتصار، باعتبار أنه تجاوز خطر الغياب عن «مونديال أم الألعاب» بداعي الإصابة وأعاد غاتلين إلى حجمه الطبيعي، فماذا سيقول بعد «الثلاثية الخالدة» المنتظرة في «ريو 2016» والتي لن يسبقه إليها أحد، لا سيما أن خبراء سباقات السرعة يجزمون بأن فوز بولت في ال100م يجعل سباق ال200م (فجر الخميس– الجمعة) في متناوله، خصوصاً أن هذه المسافة «اختصاصه الأول». وما يقدّمه بولت من «توابل تفتح الشهية» الى مائدة ألعاب القوى، المترنّحة نتيجةَ أزمات الفساد والمنشطات، هو مقويات طبيعية منعشة المنافساتُ في حاجة إليها أكثر من أي وقت مضى، فقبل سنوات ظهر إجماع على حيوية تصرفات بولت الميدانية وانعكاسها الإيجابي سحراً وإثارة، حتى أن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية السابق البلجيكي جاك روغ ردّ بطريقة مباشرة على منتقدي من يشوّه جدية المنافسة ودقتها باستعراضاته وصخبه، بالقول: «اللعبة في حاجة ماسة إلى هذه الظاهرة». وفجر أمس، لم يخيّب بولت الآمال على هذا الصعيد، إذ بكّر في إلحاق الهزيمة بمنافسيه، على خط الانطلاق تحديداً، حين راح يستغل استهجان الجمهور مشاركة غاتلين -المتنشّط سابقاً- وإطلاق صافرات الرفض لحضوره، بالسير و «التمختر» والتلويح للمتفرّجين وتلقي سيل من التحيات والقبلات و «آهات» الترحيب والدعم والتشجيع، تاركاً رسم شارة البرق الصاعقة التي اشتهر بها بيديه وهو يحمل حذاءه الذهبي المميز، إلى ما بعد فوزه واحتفاله. ولم ينسَ بولت أن يتوجّه صوب صديقه العداء الجنوب- أفريقي وايد فان نيكيرك لتهنئته بالفوز قبل دقائق في سباق ال400م وتحطيمه الرقم القياسي العالمي (43,03 ثانية)، تحت أنظار حامله السابق الأميركي مايكل جونسون (43,18 ثانية منذ عام 1999)، الذي كان يعلّق على مجرياته في منصة الصحافة. ويعترف فان نيكيرك بأن بولت وجونسون ملهماه، لكن البطل الجامايكي تنبّأ بأن العداء الجنوب أفريقي سيحطّم الرقم العالمي. وكشف فان نيكرك أنه ذهب إلى جامايكا في الربيع الماضي وتدرّب مع بولت على مدى أسبوعين، ووقتها «قال لي بالحرف الواحد ستحطّم الرقم القياسي العالمي». وأضاف «بعد نهاية السباق جاء لرؤيتي وذكّرني بأن توقعاته كانت في محلها». كان بولت منتشياً بإنجازه في سباق انتظره الجميع وحسمه، مسجلاً زمناً مقداره 9.81 ثانية في مقابل 9.89 ثانية لغاتلين، مستغلاً مرة جديدة سرعته التصاعدية بعد انتصاف المسافة على رغم انطلاقته البطيئة، لكن الأمور في خواتيمها، وتختصر بأنه حلّق على علو منخفض فوق ريو دي جانيرو بسرعة 35 كيلومتراً في الساعة. وعلّق عقب فوزه: «أحدهم قال العام الماضي إنني إذا حققت الثلاثية سأدخل الخلود الأولمبي، لقد أنجزت المهمة وأصبحت خالداً». وزاد: «يتبقّى أمامي سباقان لتعزيز هذه المكانة». ويتطلّع بولت لأن يحتفل بعيد ميلاده ال30 الأحد المقبل في اختتام «ريو 2016»، وقد طوّق عنقه بذهبيتي ال200م والبدل 4 مرات 100م، رافعاً رصيده إلى 20 ذهبية في21 سباقاً خاضها في بطولات العالم والألعاب الأولمبية منذ عام 2008، ولم يخسر سوى مرة واحدة عندما استبعد من سباق ال100 م لارتكابه خطأ في الانطلاق خلال بطولة العالم في دايغو (كوريا الجنوبية عام 2011). أما التكريس الثلاثي في ريو دي جانيرو، فسيدرّ عليه 15 مليون دولار تكفّلت بها شركة «بوما» للألبسة الرياضية أحد رعاته الرئيسيين.