لكل دولة مقومات جغرافية وطبيعية تسعى لاستغلالها وتعريف العالم بها .. بعض الدول تفشل في ذلك، في حين تبرع دول أخرى في الترويج لها (لدرجة محاولة إدراجها ضمن عجائب الدنيا أو قائمة اليونسكو للتراث العالمي).. وكنت شخصيا قد سمعت ولي عهدنا الشاب محمد بن سلمان يتحدث عن هذه المنطقة (في سبتمبر 2015) ويضرب بها مثلا على امتلاكنا مناطق خلابة "تأخرنا في استغلالها".. وطوال سنتين كنت أظنه مجرد مثال عابر حتى فوجئت بتحوله لمشروع جبار لن يقل تأثيره في مجال السياحة عن تأثير أرامكو في مجال الطاقة .. وبعد أن ظهر للعلن أتوقع أن يتحول إلى (أنموذج) يستشهد به على كيفية تأقلم الدول مع مزاياها الجغرافية وتحويلها إلى ثروة طبيعية .. وبحكم سكني في منطقة المدينةالمنورة أعرف جيدا المنطقة التي سيتضمنها هذا المشروع.. منطقة عذراء جميلة وغير مستغلة تتضمن مواقع أثرية وجغرافية مميزة (بين أملج والوجه). تتميز بأجواء معتدلة، وشواطئ بيضاء، ومياه زرقاء، وأشجار نخيل، ومواقع غوص خلابة.. ولكنها رغم هذا (ورغم معرفة سكانها بها) ظلت فقيرة بإمكانياتها ومرافقها لدرجة لا تجد فيها فندقا واحدا يمكن حجزه مسبقا.. شاهدتها ذات يوم من نافذة الطائرة فبدت الجزر كمنحوتات فنية تحيط بها مياه فيروزية ورمال ذهبية وشعاب مرجانية يمكن رؤيتها من الجو.. تساءلت حينها لماذا لا يستغل هذا الجمال الطبيعي لإنشاء جزر سياحية أو مدن بحرية خاصة بالاستجمام .. تذكرت جزيرة النخلة في دبي التي خُلقت من العدم وكلفت ملايين الدولارات وتسببت بدمار بيئي (بسبب جرف الرمال من قاع البحر).. وفي المقابل لدينا نحن أكثر من خمسين جزيرة أكبر حجما جاهزة للاستثمار (وموجودة بشكل طبيعي) .. تفوق مساحتها ضعفي جزر هاواي وثلاثة أضعاف دولة قطر وسبعة أضعاف جزيرة بالي.. تشكلت قبل ملايين السنين بصورة طبيعية، ويمكننا نحن إعادة تشكيلها (بأي شكل هندسي نريد) بتكلفة أقل بفضل الرمال السطحية المحيطة بها دون الحاجة لجرف الرمال أو الاضرار بالبيئة... ورغم التقارير المعلنة للمشروع لا أعتقد أن معظمنا يدرك فعلا حجمه الطبيعي.. فهو مثلا يمتد بين مدينتين، ويملك ساحلا بطول 200 كلم ويتضمن 50 جزيرة تحيط بها مساحات ضحلة قابلة للتشكيل.. تقدر مساحته الاجمالية ب34000 كلم متر مربع ويتجاوز بمراحل كثيرة دولاً تتميز بجزرها الخلابة مثل موريشيوس (203 كلم مربع) والمالديف (300 كلم مربع) وسيشل (459 كلم مربع).. تجتمع فيها عناصر جغرافية وبيئية لا تتوفر في هذه الوجهات (كالشعاب المرجانية التي لا توجد مثلا في هاواي وموريشيوس، أو البراكين الخامدة التي لا تتوفر في سيشل وجزر المالديف).. وفي حين تملك هاواي والمالديف شواطئ خلابة (حول الجزر فقط) يملك مشروع البحر الأحمر ساحلا مقابلا بطول 200 كلم متر يمكن استغلاله أيضا لبناء (ليس فقط منتجعات ومطار ومراسي القوارب) بل ومدن ساحلية حديثة وجميلة... نأتي الآن إلى الجانب الاقتصادي حيث جرت العادة (بعد الإعلان عن كل مشروع جبار) أن نتحدث عن الكلفة دون العوائد المتوقعة .. فبالإضافة إلى أن المنطقة موجودة بشكل طبيعي (ولن تخلق من العدم بملايين الدولارات) سيوفر المشروع 35 ألف فرصة عمل ويرفد ناتجنا المحلي ب15 مليار ريال سنويا .. مايحتاجه فعلا هو مخططات جاهزة للعمل، وتسهيلات جاذبة للاستثمار، وبرامج تعريفية تقنع السعوديين بزيارة المنطقة عاما بعد عام .. وأعتقد أن مجرد الإعلان عن المشروع يعني الانتهاء منها فعلا وأن العمل عليها بدأ أصلا قبل "سبتمبر2015"... !!