أميل إلى الاعتقاد -ولا آتي بجديد- أن المستجدات الإعلامية ستظل تعاني من بعض الرفض لفترة ما حتى يتعوّد الناس على وجودها بينهم. ففي منتصف الثمانينيات الهجرية انقسمت الأسر السعودية إلى محب لجهاز التلفاز ورافض له. ورأى البعض في ذاك الاقتحام الجديد غرابة مشوبة بالخوف والتردد بل والتطاحن الأسريّ، ثم وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها الجهاز جزءاً من معداتنا المنزلية. يذكرون أن إحدى الأمهات رفضت أن تكشف عن وجهها أمام الشاشة، وكمجتمع نذكر الكثير من النوادر. وعند بداية البث الفضائي عمدت إحدى المحطات التي تبث من خارج الحدود إلى قبول إعلانات ملونة تُصاحبها صُور عن الفوَط الصحية النسائية، وفوجئ المنزل المحافظ بتلك الجرأة. فرفض الكثير ذلك الارتجاج الذي اقتحم خصوصيات المرأة على شاشة التلفاز، وجاءت أقلام -بعضها أكاديمية- دعت إلى وجوب إيقاف تلك الإعلانات وقطع دابرها من البداية، لأنها مثيرة للاشمئزاز حسب ما يرون، وسمع من في المنزل عبارات مثل «قلة أدب» إلى آخره. ومن يحمل في داخله قدراً معيناً من الحماس أو التحفظ صار يلغي الصوت أو يُغيّر المحطة. والآن "بَرَد الحارّ" وتوقّف كل ذلك الهيجان وقبِل الناس الإعلان كجزء من حاجيات الأُسر وضرورة تتطلبها الحياة الصحية المعاصرة. وأنصح كل مستبصر يعيش في زمننا الحالي ألا يتعجّل في الحب أو الكرْه، فالبغيض لا يظل بغيضاً إلى الأبد إلا ما تصادم مع الشرع والأخلاق ممارسة. وأعتقد أنها لم تكن خطوة مقبولة أن يرفض المرء أشياء موجودة في أرفف الصيدليات والأسواق المركزية منذ فترة ليست بالقصيرة. نوع من الانفصام النفسي.. نُصاب به لفترة وتنجلي أعراضه لاحقاً ثم ننساق إليه. أرى أن اللا سلكي والدراجة الهوائية ومدارس تعليم البنات والهاتف الأرضي الآلي ثم الفضائيات وأطباق استقبالها أخذتْ من أعصاب الوطن وأهله ووقته الكثير، واشتكى من الأرق فترة ليست بسيطة. ولا أعتقد أن بلداً غيرنا عاش ذلك المقت ثم القبول مثلنا.