تربط باريس والرياض علاقة تاريخية إذ افتتحت فرنسا قنصليتها الأولى في جدّة عام 1839 ومنذ اللقاء الذي جمع الجنرال ديغول والملك فيصل، عام 1967، تميّزت علاقاتنا الثنائية باتصالات سياسية وشخصية من المستوى الرفيع. سنحتفل هذا العام بالعيد الخمسين لهذا اللقاء التاريخي. عقدت باريس والرياض علاقات خاصة على المدى الطويل. عززّ عهد الرئيس هولاند الخماسي الشراكة الإستراتيجية الفرنسية - السعودية الشاملة، والتي ينوي الرئيس مكرون تطويرها من أجل تحديد نطاقات تآزر جديدة مع خطة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الطموحة التي ينوي تنفيذها صاحب السمو الملكي ولي العهد. في هذا المنظور، سيطوّر بلدانا، خلال الأشهر القادمة، تعاونهما في مجالات عدّة، ألا وهي الدفاع والسلام والأمن بل أيضاً الطاقة والصحة والزراعة والتعليم والثقافة والبيئة والسياحة. الصداقة والثقة بين باريس والرياض يمتّع دائماً بلدانا الصديقان بعلاقات قوية ووثيقة تتسمّ بالثقة. بطبيعة الحال، تشاطر فرنسا المملكة العربية السعودية، وتتطابق رؤى واسعة حول الملّفات الإقليمية والدولية المهمة، كما حول تحديّات القرن الواحد والعشرين الرئيسية. في هذا الإطار، لقد ازداد تبادل الزيارات بين الشخصيات السعودية والفرنسية الرفيعة المستوى بشكل مهم خلال السنوات الماضية. بالتزامن، طوّر البرلمان الفرنسي ومجلس الشورى علاقاتهما من خلال لجنة الصداقة الفرنسية - السعودية. ويعكس نطاق علاقاتنا الثنائية وحجمها ومستواها الروابط الوثيقة بين بلدينا لخدمة الشعبين الصديقين الفرنسي والسعودي. من أجل شراكة اقتصادية لقد بلغت العلاقات السياسية بين باريس والرياض مستويات شامخة. وفي ضوء هذا السياق، تشاطر فرنسا والمملكة العربية السعودية طموحاً مشتركاً ألا وهو التحقّق من ارتقاء مستوى شراكتهما الاقتصادية إلى مستوى علاقاتهما السياسية الخاصة. في شهر مايو 2015، اعتمد رئيس الجمهورية الفرنسية ومقام خادم الحرمين الشريفين خطة عمل طموحة من أجل الارتقاء بعلاقاتنا من خلال نهج يضمن ربحية للطرفين. منذ ذلك الوقت، عقدت اللجنة المشتركة الفرنسية - السعودية اجتماعين. سيركّز الاجتماع الثالث لهذه اللجنة على عزمنا المشترك على تعزيز الشراكة الفرنسية السعودية الإستراتيجية وتعميق علاقاتنا المتميّزة من خلال تحسين تبادلاتنا التجارية وتحديد آفاق تعاون مستقبلية واعدة ضمن إطار عمل خطة التحول الوطني 2020 التي اعتمدتها المملكة من أجل تنفيذ الرؤية السعودية 2030. يتعيّن أن تشارك الخبرة والمهارات الفرنسية الرفيعة المستوى في هذه المرحلة الجديدة التي تنفذّها المملكة. تتوق الحكومة الفرنسية ومستثمرو القطاع الخاص إلى مواكبة الشعب السعودي. إن المملكة العربية السعودية شريك اقتصادي وتجاري رئيسي لفرنسا في منطقة الخليج بل في الشرق الأوسط أيضاً. وفق صندوق النقد الدولي، فإن فرنسا إحدى الدول العشرة الشريكة للمملكة في العالم، إذ بلغ حجم التجارة بينهما 8 مليارات دولار عام 2016. تشمل تبادلاتنا التجارية مجالات عديدة منها الدفاع والطاقة والنقل والسياحة. عام 2016، بلغت الصادرات السعودية إلى فرنسا 3.8 مليارات يورو بينما بلغت واردات المملكة من فرنسا 4.1 بلايين يورو. إن فرنسا مستورد رئيسي للنفط الخام إذ بلغ متوّسط الاستيراد 1.2 مليون برميل يومياً عام 2016 فهكذا إننا المستورد الأوروبي الرابع من النفط الخام. ولكن، انخفضت واردتنا النفطية تدريجياً منذ 1998 نظراً لتعهدّنا بتعزيز كفاءة الطاقة وتطوير الطاقات المتجدّدة والنقل العام. بالتزامن، ازدادت حصّة سوق النفط السعودي في الواردات الفرنسية باستمرار خلال السنوات العشرة الماضية. عام 2016، بلغت 15 بالمئة من إمدادات النفط الخارجية. وأعتقد أن هذا ما يعكس استقرار علاقاتنا التجارية ونوعية المنتجات النفطية السعودية. سيتواصل تعزيز هذه العلاقات القوّية خلال الأشهر والسنوات القادمة إذ عقدت الشركات الفرنسية شراكات متينة مع أطراف سعودية فاعلة. لن يكتفي الفرنسيون بلعب دور المزوّدين فقط بل يطمحون أيضاً أن يكونوا عناصر أساسية في عملية تحديث الاقتصاد السعودي. تحتلّ فرنسا المرتبة الثالثة على قائمة المستثمرين الأجانب في المملكة إذ بلغ حجم الاستثمارات المباشرة أكثر من 15 مليار دولار. إضافة إلى ذلك، توّظف الشركات الفرنسية أكثر من 27 ألف شخص في المملكة ويبلغ معدّل السعودة حوالي 36 بالمئة. أمّا فرنسا فهي إحدى الواجهات الأكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة. تغطي الاستثمارات السعودية في فرنسا قطاعات متعدّدة نذكر منها على سبيل المثال الصناعة الفندقية والصناعة الغذائية والعقارات. حسب معهد الإحصاءات الوطني الفرنسي، هناك 24 شركة سعودية تعمل في فرنسا وتوّظف حوال 3200 شخص ويبلغ حجم أعمالها حوالي 350 مليون يورو. تبلغ الاستثمارات السعودية في فرنسا حوالي مليار يورو بما فيها الاستثمارات في المحافظ وفي العقارات. إن مجلس الأعمال السعودي الفرنسي لاعب رئيسي يساهم في تعزيز حجم التجارة البينية. التأشيرة الفرنسية وأخيراً وليس آخراً، إن عدد السياح السعوديين إلى فرنسا لهو مؤشّر آخر عن علاقات الصداقة التي تربط فرنسا والمملكة العربية السعودية. عام 2016، أصدرت القنصليات الفرنسية في المملكة 130 ألف تأشيرة، معظمها خلال 48 ساعة ولعدّة زيارات. إن معظم الملامح السياحية الفرنسية متواجدة في المناطق الريفية، ونذكر منها جسر ميليو Millau ومنطقة البروفانس والكوت دازور Provence and Côte d'Azur على شاطئ البحر الأبيض المتوّسط أو بعض القصور الملكية المنتشرة في وادي اللوار Loire Valley. إن فرنسا هي أيضاً الواجهة الثانية عالمياً لممارسة رياضة التزّلج. عاشت الصداقة الفرنسية - السعودية . *سفير فرنسا لدى المملكة