لعلك لم تره، ولكن لك أن تتخيله وقد امتطى صهوة جواده ورفع راية التوحيد خفاقة عالية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) مشهراً سيفه ومتوجهاً إلى أرض جدباء لا تسمع فيها سوى حفيف الأشجار وأزيز الرياح حاملة ذرات رمل تهمس في الآذان أن الوقت قد حان لاستعادة أرض الآباء والأجداد والتي من أجلها عاد. إنه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي عقد العزم بالعودة لرفع راية التوحيد لله تعالى وإكمال مسيرة أمة نشأت بالدرعية، بل هو عاد أيضاً ليؤسس لتوحيد البلاد، وكان له ذلك بعد توفيق الله تعالى ومشيئته، حيث توحدت البلاد وتكاتفت القبائل وتصاهرت وتلاحمت في الجنوب والشمال وفي نجد والحجاز بصورة نادرة بشهادة الباحثين والمستشرقين، ويأتي التساؤل يطرق الأبواب مفعماً بالدهشة كيف كان لهذا الرجل أن يفعل ذلك في بلاد أشبه ما تكون بقارة مترامية الأطراف ذات الطرق الوعرة والرمال المتحركة كالأمواج وليس هناك من أنهار ولا عيون بل لا سبيل لوجود الماء، إلا أن هذا التساؤل سرعان ما انجلى غموضه وتفككت أسراره حيث كان للطموح مرتكزه وللشجاعة أوارها، هكذا كان الملك عبدالعزيز الذي نقل البلاد من التشرذم والتفكك وحالة الفوضى وقلة ذات اليد وضياع الحيلة إلى أمن وأمان ورغد عيش وخير يتدفق من جوف الأرض ويطال عنان السماء، وما هذا إلا بصدق النية والتوجه وغزارة الانتماء لقيام هذه الدولة المباركة على الكتاب والسنة دستوراً ومنهجاً واكب ذلك مراحل عدة من التطور والرقي والنماء وصلت بالمملكة العربية السعودية إلى مصاف الدول المتقدمة واستمر نهج الموحد رحمه الله على هذا الدستور الذي لا مثيل له في أقطار الدنيا، وعلى هذه الخطى المباركة كان أبناؤه الملوك البررة ملكاً بعد آخر حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله وحفظه ورعاه ملك الحزم والعزم الذي يتهافت رؤساء الدول للقائه والاجتماع به وترسم نهجه والأخذ من حكمته وبعد نظره، إنها الصورة الواضحة لسياسة هذا البلد المبارك للعالم أجمع، وما ذاك إلا لأن الدستور التي اتخذته هذه البلاد المباركة منبعه الكتاب والسنة لا حزبية ولا قبلية ولا مذهبية، إنها الشورى والبيعة الشرعية في أوج صورها ولهذا فقد أصبحت الدولة التي أرسى قواعدها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن صلبة قوية أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ومن هنا كان المجد وكان العز وكان السؤدد، وحق لملك الحزم والعزم أن يرسم الوجه المشرق للدولة بهمة عالية وروح ثاقبة وعزيمة للشباب لا تلين، ذاك المتطلع للتطوير والتجديد للغة العصر والأوان فكان القرار الحكيم ولاية العهد للأمير الواثق محمد بن سلمان الذي كان هو نعم الاختيار وتسير هذه الدولة على تلك الأصول الثابتة لتعانق الأفق بالسواعد الشابة وما أجمله من تكاتف وتلاحم وألفة ومحبة تلك التي سطرها أفراد الأسرة الحاكمة الكريمة هي الرسالة التي أوجعت المرجفين وبثت الأمن في قلوب الخائفين، فتحيا بلادي حرة أبية ويعيش الملك للعلم والوطن.