لم تعد المسلسلات والأفلام وغيرها من البرامج التي تعرض على الفضائيات تؤثر في سلوكيات الصغار فحسب، بل تعدتها إلى الكبار أيضا، إذ يبدو واضحاً تأثر عدد كبير من المشاهدين بما تعرضه الشاشة الفضية في شهر رمضان المبارك وتردديهم لبعض الكلمات التي يرددها الأبطال في المسلسلات. الكلمات الأكثر انتشاراً مثل «قم بس قم» من مسلسل طاش ما طاش، والتي أخذ يرددها المشاهدون حتى الآن على رغم مرور وقت طويل، وعبارة «في تي تلقفها تاك» و«قسم» من مسلسل بيني وبينك، وعبارة «أهم شي مستانسين» من مسلسل شر النفوس، والوصلة الشهيرة «بليلة بلبلوكي» من مسلسل باب الحارة، اتضح تأثيرها في لسان المجتمع، حتى أنها دخلت في تكوين بعض رسائل المعايدة. عبارة «أهم شي مستانسين» انتشرت في الشوارع والأسواق بين العامة من خلال بطل مسلسل شر النفوس في جزئه الأول الذي كان يرددها دائما. تقول مها عبدالعزيز: «أثناء تجولي في أحد الأسواق التجارية فوجئت بغالبية المتسوقين يرددون هذه العبارة، حتى أني سمعت أحدهم وهو يمشي في السوق يقولها لأبنائه وزوجته». وتضيف: «كذلك الأمر بالنسبة للإنترنت، فالعبارة هذه انتشرت في مواقع الانترنت في بعض مواقع المحادثة، وبعضهم وضعها رسالة شخصية في الماسنجر، كما أضيفت في بعض المنتديات كرسالة ترحيب بالأعضاء». ما إن تقول كلمة «معقولة» كتعبير عن استغرابك لأمر ما، حتى تسمع من يرد عليك ب«قسم» والتي اشتهر بها الممثل حسن عسيري في مسلسل «بيني وبينك»، هكذا بدأت الطالبة في جامعة الملك عبدالعزيز حديثها، قبل أن تضيف: «اعتدت على قول كلمة معقولة دائما لأبدي استغرابي من موضوع أدهشني، لكن منذ رمضان الماضي كلما قلت معقولة تجيب البنات في الجامعة وبعضهن لا أعرفهن بكلمة قسم، وكان تأثير المشهد من مسلسل بيني وبينك وغيرها من المسلسلات واضحا على المجتمع بصفة عامة». كما انتشرت جملة «في تي تلقفها تاك» من حسن عسيري في مسلسل بيني وبينك وتلقفها الجمهور ولازال يرددها الشباب والصغار وكبار السن، خصوصاً بعد أن تغنى بها العسيري في أغنية خاصة في المسلسل، وتوضح آيات الحربي: «في تي تلقفها تاك صيغة قسم بلهجة سكان الجنوب، لكن حينما قالها عسيري في المسلسل أدى إلى انتشارها وتعريف الناس باللهجة الجنوبية». وتذكر أم محمد بأن ابنها عبدالعزيز ذي الأربع سنوات يغني «في تي تلقفها تاك» بعد أن سمعها في أغنية حسن عسيري، موضحة أن طفلها لا يجيد نطقها لكنه يغنيها ويرددها دائما. وتتابع: «يوم العيد، رأيت الأطفال في الملاهي يرددون «بليلة بلبلوكي» مع أصوات الألعاب من مسلسل باب الحارة الذي يعرض الآن لرابع سنة، وليس له دلالة سوى أن الكلمات التي يتفنن بها مؤلفوا المسلسلات تؤثر تأثيراً بالغاً على المشاهدين ويتلقفونها بسرعة البرق ويرددونها إلى أن تظهر كلمة جديدة في مسلسل جديد». علاء حمزة: لم أكن أتوقع تداول «معقولة» و«قسم»! أكد مؤلف مسلسل «بيني وبينك» علاء حمزة أنه لم يكن متعمداً وضع كلمات، ليتم تداولها بين الجمهور، ولم يكن يتوقع أيضا أن يتداول بعض جمل المسلسل بين الناس بهذه الكثرة، مشيراً إلى أنها كتبت من سياق السيناريو فقط. يقول: «عندما كتبت السيناريو كان جلّ همي نجاح المسلسل، ولم أكن أتوقع انتشار بعض الكلمات بين الجمهور بهذا الشكل، مرجعاً الأسباب إلى المشاهدين من صغار السن دائماً، ما يقلدون الممثلين في شكلهم وكلامهم»، موضحاً أن ما يقوله الممثلون في المسلسل من لغة الشعب نفسها ويقول: «نحن أخذنا الكلمات من لهجاتنا ووضعناها في سيناريو المسلسل وعرضناها مرة أخرى على المشاهدين، أي بضاعتهم ردت إليهم، وهو ما جعل وقعها جميلاً على الجمهور الذي أصبح يرددها بكثرة». ويضيف: «بعد عرض الجزء الأول من بيني وبينك رأيت أن كلمتي «معقول» و»قسم»، وجدتا أصداء كبيرة بين المشاهدين، وهو ما دفعني لإعادة صياغتهما بطريقة مدروسة في الجزء الثاني». الغانم: «اللزمة» يعتمد انتشارها على علاقة المشاهد بالعمل المخرج عبد الخالق الغانم مخرج مسلسل طاش ما طاش يوضح بأن بعض المقولات تؤثر في الجمهور، وتسمى في العرف الفني (لزمة)، ويعتمد انتشارها على علاقة المشاهد بالعمل، فإذا كان المشاهد له علاقة طويلة بالعمل ويحبه فيتاثر بما يقوله أبطال المسلسل، لكنها بشكل عام دائماً تأتي في إطار كوميدي، لافتاً إلى أنها تختار بعناية فائقة من فريق العمل حتى تكون جملاً لطيفة لأن الصغار والكبار يتأثرون بها ويرددونها. ويشير الغانم إلى أن «اللزمة» تأتي في سياق السيناريو عادة وأحياناً أخرى من الممثل نفسه أثناء البروفات وورشة العمل، والشخصيات الكوميدية في بعض الأحيان تقول كلمات تعبر عن الشخصية نفسها فمثلاً عبارة «ايس في؟» كانت من ضمن حوار الممثل عبدالله السدحان، فأحب الناس الشخصية، واستلطفوا الجملة فصاروا يكررونها، لكنها تظل فترات قصيرة وتنتهي». علم الاجتماع: «الإمعات» هم من يرددون هذه العبارات أوضح مشرف ديوان الاستشارات الاجتماعية في جدة الدكتور ماجد الفهد أن المشاهدين فئات وبعضهم سطحيون، لا يتمتعون بشخصية مستقلة، ويكونون أقرب إلى «الإمعات»، وهي حالة تجعلهم يستقبلون أية كلمة خارجة عن اللزوم، وتعود تبعاتها على القنوات التي دائماً تتنصل من المسؤولية، والمنتجون والممثلون يسعون للربحية المادية والشهرة، فيقع المتبقي على التوجيه والإرشاد بعدم التوقف عند بعض الكلمات وتقبلها لدى المجتمع. ويؤكد الفهد أن بعض الكلمات مستخدمة بالفعل ودارجة بين الناس ويستخدمها الإنسان العادي حتى لو لم يسمعها في التلفزيون، لكنها عندما ظهرت في التلفزيون أعطتها شعبية أكثر، مؤكداً أنه في هذه الحال ترديدها ليس من السطحية أو التبعية لكن من باب أن لها انتشاراً واسعاً بين الناس. وأشار، إلى أن الكلمات التي تأتي من صميم المجتمع لا تعد مشكلة على رغم أن خطورتها تظهر على المدى البعيد، لأن الطفل أو المشاهد ضعيف الشخصية قد يكون متذبذباً، ما يفتح لإمكان التأثر بها مستقبلاً في العقائد وحب الأسرة والوطن. ولفت إلى أن الإعلام حالياً صار يؤثر في عقائد الأبناء والمجتمع، «لذلك لابد من الانتباه لما يقدم من مسلسلات وما نشاهد، فأحياناً الجمهور يشاهد شيئاً، وهو يعي أنه خطأ لكن يجب أن يعلم المشاهد أن التأثير يكون لا إرادياً من خلال التكرار والإيحاء وبرمجة العقل اللاواعي على بعض الأمور».