ساعدت الأزمة مع قطر في كشف العديد من الملفات والقضايا التي كانت خافية حتى على أولئك العارفين ببواطن الأمور ومجريات الأحداث في المنطقة، إلا أنّ الجزء الأهم من ذلك هو اكتشاف تداعيات الجهود التي بذلتها الدوحة للتغلغل في مجتمعاتنا الخليجية من خلال استقطاب رموز المجتمع واستغلالها للترويج لمشروعات إعلامية ودعائية قطرية كانت تخفي وراءها أهدافاً تتجاوز ظاهرها البرئ. ندوات دينية، قنوات رياضية عالمية، جمعيات خيرية، مسابقات ثقافية، وحتى حفلات غنائية كان يسعى القائمون عليها إلى ما يشبه تجنيد أتباع من دولنا وإغرائهم ب(العطايا) والتكريم الذي يتجاوز ما يمكن توقعه من مشاركات مماثلة في محاولة واضحة من قطر لشراء الولاء بالمال، فماذا كانت تريد في المقابل؟ وهل كانت تتوقع من هؤلاء التخلي عن أوطانهم لخدمة مصالحها وأهدافها يوماً ما؟ بالنسبة للأفراد الذين يسمون أنفسهم (معارضة سعودية) مع أنهم لا يتجاوزن أصابع اليد الواحدة ها هم الآن يفضحون أنفسهم ويكشفون دون قصد عن مموليهم من خلال هذا الدفاع المستميت عن الدوحة، ولعل الله جعل من هذه المواقف المكشوفة دليلاً على زيفهم وخداعهم وقبل كل ذلك حقدهم على بلادنا التي لفظتهم فأصبحوا مجرد هاربين وخونة لا أكثر. أما في الداخل .. فيكفي أن تطالع المواقف الأخيرة لتحكم على ذلك، فمن كان يدافع عن جماعة الإخوان، ويتهم صراحة حلفاءنا وجيراننا الأقربين، ها هو الآن عندما تعلق الأمر بقطر يتحدث عن المسألة وكأنها فتنة لا يريد الخوض فيها في تخلي واضح عن الوطن الذي يحمل هويته وينعم بخيراته طوال حياته. أين أصواتهم التي كانت تملأ الدنيا عند أي أزمة داخلية عربية حتى وإن عارضت مواقفنا السياسية الواضحة، هل هناك ما يمنعهم من الحديث غير مسألة تجنب الفتنة التي أشغلونا بها؟ هل يخشون الكشف عن الشيكات المليونية التي كانوا يتقاضونها بأمر خاص من القيادة العليا في قطر؟ أو الأملاك والعقارات التي كانت تسجل بأسمائهم حتى يصمتوا الآن؟ لا أدري كيف يمكن لمسلم سعودي أصيل أن يكتفي بالصمت في مواجهة من خطط لتدمير أمننا واستقرارنا كما أظهرت التسجيلات الصوتية (للحمدين) الأمير السابق حمد بن خليفة، ورئيس وزرائه حمد بن جاسم مع معمر القذافي؟ كيف يمكن لمواطن من هذا البلد أن يغفر لمن شارك في مؤامرة محاولة اغتيال ملك الإنسانية الملك عبدالله بن عبدالعزيز –رحمه الله- التي كشف عن تفاصيلها مؤخراً معالي المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني من خلال سلسلة تغريدات كان من الصعب تصديقها لولا أنها جاءت من مصدر رسمي عاصر تلك المرحلة وكان ولا زال قريباً من القيادة وما تصلها من تقارير سرية كانت ستبقى كذلك لولا التمادي القطري المستمر. أرجوكم .. لقد فات الأوان للحديث عن الفتنة واحتواء الخلاف فما فعلته الدوحة وما تقوم به الآن يعكس عداءً واضحاً لبلادنا التي يشرفنا الدفاع عنها دون مبالين بما يقوله عملاء قطر من المجنسين وأمثالهم، أو حتى أولئك الذين اختاروا الحياد والصمت في وقت يعد فيه الساكت عن الحق شيطانا أخرس، وما أكثرهم في أيامنا.