أكد مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات اللبناني العميد الركن المتقاعد خالد حمادة ل"الرياض" بأن قطر شكّلت منذ مطلع القرن ظاهرة شاذة وخارجة عن السياق الواقعي لمسار السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، مشيراً الى أنها عبّرت بشكل دائم عن هذا التمايز باعتماد الكثير من المغالاة في مقاربتها للأمور، مغالاة لا تتناسب مع مقوّماتها الاستراتيجية ونقاط قوتها وكفاءاتها التقنية والاقتصادية، إلى جانب اعتمادها خيارات غير واقعية لجهة اختيار الحلفاء والتحالفات ومحاولة الاضطلاع بدور إقليمي على طريقة "خالف تعرف"، كل ذلك في محاولة للقفز فوق حقائق الجغرافيا السياسية من تعداد سكاني ومساحة واقتصاد ريعي إلى جانب حداثة عمر الدولة التي تأسست سنة 1971. وقال حمادة إن موقف قطر من "حزب الله" كان معاكساً تماماً لموقف الأكثرية العربية ودول مجلس التعاون الخليجي، وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006 أشار العميد حمادة إلى أن موقف قطر السياسي كان عبارة عن استثمار رخيص في حالة الدمار الهائل التي ألمت بلبنان، حيث بادرت الى تقديم مساعدات عشوائية مباشرة الى اللبنانيين دون المرور بأي جهة لبنانية، تماماً مثل إيران التي اعتمدت ذات الطريقة في تقديم المساعدات، غير أن الهدف الإيراني معروف ويأتي في سياق ولاية الفقيه التي لا تعترف بسيادة الدولة اللبنانية. وفيما يتعلق بموقف قطر من الجماعات والحركات المتطرفة منذ الحرب على أفغانستان وانتهاءً بالثورات في سورية ومصر واليمن وليبيا، تساءل العميد حمادة عن سبب الإصرار على العبث الجنوني باستقرار الدول وتدمير المجتمعات، وتأليب الشعوب على حكامها، وتدمير اقتصاداتها، وتحويلها الى مجموعة من المليشيات والمشردين ينتظرون الأموال القطرية على جبهات القتال أو في مخيمات اللجوء. وبين حمادة بأن متغيرين كبيرين حصلا لم تستطع دوائر صنع القرار في قطر استيعابهما جرعة واحدة، المتغير الأول الإنعطافة الحادّة في الموقف الأميركي من الإرهاب، والذي تجلى في نتائج القمة العربية الإسلامية الأميركية التي عُقدت في الرياض والتي اعتمدت خياراً واضحاً في مكافحة الإرهاب أيّاً كان مصدره وأيّاً كانوا رعاته، وقد أظهر التعاطي الأميركي والعربي مع قطر خلال القمة حجم الاستياء من استضافة قطر للجماعات المتطرفة وتمويلها. أما المتغير الثاني هو الدور الريادي الذي حازته المملكة العربية السعودية في تعاطيها مع الأزمات في المنطقة، والذي كان أولى بشائره "عاصفة الحزم" التي قادتها المملكة مع عدد من الدول الخليجية والعربية، وهي من أنقذت الشرعية في اليمن وأعادت الاعتبار لمفهوم الأمن القومي العربي بمعناه الشامل والمسؤول، إلى جانب الدور الاقتصادي مع مراكز الثقل العالمي في الصين واليابان وباكستان وماليزيا. وشدد حماده أنه على القيادة القطرية بالوقت الحالي أن تدرك جدية وخطورة الموقف، إن القفز فوق حقائق التاريخ والجغرافيا لم يعد مُتاحاً، فلا زالت الجغرافيا تصنع التاريخ، وإن الارتماء في أحضان أعداء المشروع العربي لن يكتب لقطر أي دور إضافي، وإن قطر معزولة عن عالمها العربي لا تشكل بنظر إيران أو سواها أي قيمة مضافة. فيما قال المختص في الشأن الإيراني فيصل الشمري بأن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول أمس الجمعة خلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض مع الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس حول تاريخ قطر الطويل في تمويل الإرهاب يتوافق مع البيان المشترك من المملكة ومصر والإمارات والبحرين، والذي اتفقت من خلاله الدول الأربع على تصنيف "59 "فرداً وعدد "12" كياناً في قوائم الإرهاب المحظورة لديها، بما يؤكد تورط قطر في دعم الجماعات الإرهابية. وأضاف الشمري بأن البيان يوضح بأن الدول الأربع صبرت وهي تمد يدها لدولة قطر حرصاً عليها من عدم التهور والخروج عن الصف الخليجي والعربي لمواجهة ومكافحة الإرهاب، إلا أن دولة قطر اعتمدت على المكابرة حتى نفذ صبر الدول الأربع وخاصة المملكة العربية السعودية التي وقفت وساندت قطر للحفاظ على أبناء الشعب القطري، وقد حذرتها المملكة من إيواء جماعة الإخوان الإرهابية والمطلوبين للعدالة ودعم الجماعات المتطرفة. وأكد على أن قطع العلاقات مع قطر لم يكن أمراً مستغرباً، لأن سياسة الحلم والحوار لم تجد نفعاً مع السلطات القطرية التي مازالت تستمر بأعمالها ضد أمن المنطقة وخصوصاً ما يتعلق بالمملكة والإمارات والبحرين ومصر وليبيا، فبعد انقلاب حمد على أبيه وتوليه سلطة قطر استخدم سياسة الوجهين، فالظاهر يختلف كلياً عن الباطن، وهذا ما سار عليه ابنه تميم بعد توليه الحكم من والده وأخذ نهج أبيه الذي عزل بلاده تدريجياً حتى صدر قرار قطع العلاقات مؤخراً من قبل عدد من الدول، بسبب احتوائها ودعمها للجماعات الإرهابية ومنهم قيادات الإخوان والشخصيات المعارضة لدول الخليج مالياً وإعلامياً عبر قناة "الجزيرة". وأضاف بأن قناة "الجزيرة" قامت فور الإعلان عن قطع العلاقات مع الدوحة بنشر تصريحات للمرشد الإيراني علي خامنئي والتي يسيء فيها للمملكة بسبب وقوفها ودعمها للشرعية في اليمن، ونقلت القناة تصريحاته نصاً في الوقت الذي تجاهلت مؤتمر المقاومة الإيرانية في باريس، وكذلك تغطية ونشر تصريحات رئيسة المقاومة الإيرانية مريم رجوي التي أشادت بدور المملكة، كما ثمنت أهمية القمة العربية الإسلامية الأميركية والتي عقدت في الرياض لمواجهة الإرهاب الإيراني في المنطقة. إن مراهقة قطر السياسية جعلها مكسباً في نظر إيران التي بادر مسؤولوها الى احتواء قطر وتلبية احتياجاتها، وكذلك الاهتمام التركي في إنجاز البرلمان للموافقة على إرسال "5000" عسكري إلى قطر بمسمى "مستشارين" بعد تعليق هذا الأمر سابقاً، وتساءل الشمري: "هل تركياوإيران تحاولان استغلال عزل قطر وإبعادها نهائياً عن دول الخليج واحتوائها لتكون أداة بيدهم لتنفيذ مخططاتهم القادمة، والخوف من أن يكون دور هؤلاء "المستشارين" كدور "المستشارين" الإيرانيين في سورية والعراق بنسخة قطرية". فيصل الشمري