التسرع في إطلاق الأحكام على المنتج الثقافي (الكتب الأدبية) سمة رائجة في الأوساط الثقافية المحلية والعربية، بل وغالبا ما يكون حكم شخص ما، ناقدا أو مثقفا على رواية، سببا في أن يتبناه الكثيرون دون تدقيق، لدرجة أننا أصبحنا نقرأ أحكاما قيمة ضد الروايات، مثلا: هذه الرواية ضعيفة، أو هزيلة، أو متهلهلة، دون أن نسمع أي نقاش جاد حولها، وأصبح الحكم المسبق على المنتج الثقافي هو الهاجس لكل كاتب او روائي او شاعر شاب من الفشل او اطلاق الاشاعات على ضعف منتجه الأدبي مما يجعل تسويقه صعبا في الأوساط الأدبية ومنها الشبابية، رغم تعدد منافذ وطرق الحكم على الأعمال الأدبية، إلا أن التسرع بقي السمة السائدة بين الجميع.مشقة إعادة القراءة بدايةً، رأى الروائي فهد الفهد أن الحكم على الأعمال الأدبية يعتمد عادة على خبرة القارئ ومدى اطلاعه على الأعمال الأخرى التي قد تتشابه أو تتقاطع مع العمل المنقود، كما يعتمد على ذائقته وما يميل إليه من أنواع أدبية، وهذا ما يفسر التفاوت في النظر إلى بعض الأعمال الأدبية ما بين الاحتفاء والانتقاد، هذا غير الكم الهائل من الأعمال الأدبية المتاحة والتي تجعل القراءة المتأنية وإعادة القراءة من أجل رؤية أوضح مهمة شاقة وغير عملية لدى الكثير من القراء. مضيفا: " يطال هذا للأسف الكثير من النقاد ولهذا يحتفظ لنا التاريخ الأدبي بالكثير من الآراء التي أطلقها نقاد على بعض الكتب أو بعض الكتاب، وهي آراء توصف اليوم بأنها متسرعة وأنها لم تفهم جدية وتجديد العمل المنقود، وبالطبع تحمل بعض الآراء النقدية نوعاً من السلطة التي تجعل القراء يتناسخونها ويعتمدونها كرؤية للعمل أحياناً قبل قراءته حتى". ولفت الفهد إلى أنه ومع هذا كله يبقى العمل الجيد متاحاً ومفتوحاً للمزيد من القراءات والتي قد تعيد تسليط الضوء عليه ومنحه زاوية رؤية جديدة ومختلفة، لهذا تعود الأعمال الجيدة للضوء مجدداً وتحظى بقراءات متأنية تعمل على اكتشاف جوانب النص والتي تجاوزتها القراءات المستعجلة". "موت صغير".. نموذجاً بينما لاحظت الروائية والناقدة الأدبية نداء بوعلي، تهافت العديد على الأعمال الأدبية التي يشيد بها اسم لامع سواء كان ناقدًا أم روائيًا، الأمر الذي يؤدي إلى التفات إلى هذا العمل دون غيره فيما يتم تجاهل الأعمال الأخرى، الأمر الذي قد يعود بشكلٍ عام إلى انعدام الثقة بمدى جودة الأعمال المحلية التي لم تعطَ حقها في النقد نتيجة كثافة الإنتاج الأدبي ووجود أقلام يافعة لا تحمل نضجاً إبداعياً أو حبكة متقنة، في الوقت الذي يغيب النقد الأدبي أو انكماشه، تصبح بعد ذلك القراءات النقدية معدودة أو مقتصرة على أعمال غربية، قد يكون السبب الرئيسي انعدام الثقة بالأعمال الأدبية الأمر الذي يؤدي إلى استباق في الأحكام عليها. مضيفة: " ونجد مثالاً على ذلك استنكار بعض النقاد والروائيين العرب بفوز رواية محمد علوان "موت صغير" بجائزة البوكر العربية، دون انتقاد للعمل ذاته وبأسلوب يظهر عدم قراءتهم للعمل الذي تكاد تصل عدد صفحاته ال600، مجرد تقييم متعجل نمطي قياسًا على أعمال سابقة دون مقارنته بالأعمال الأخرى المنافسة على الجائزة ومدى جودتها واستحقاقها". وترى الناقدة بوعلي أنه في غياب النقاد، أصبح التواصل ما بين الروائي والقارئ بأسلوب مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ففي أحايين عديدة قد يكون العمل الروائي بمثابة جريمة أدبية من وجهة نظر الناقد الواعي بتقنيات الكتابة، فيما ينشده القارئ العادي بالعمل نتيجة لفكرته أو مدى شهرة العمل، الأمر الذي دفع بالبعض الاكتفاء بقراءة نقد سريع عبر مواقع مختصة بذلك وهو ليس بأمر سيئ، فوصول القارئ إلى قدرة على تقييم الكتاب والتعبير عنه في الفضاء الإلكتروني أمر يعكس نضجًا وقدرة تحليلية". أسهم المثقف فيما أشارت الكاتبة أميرة علي إلى أن إطلاق الاحكام المتسرعة على المنتج الادبي، بات ثقافة المتكلم "المثقف" وتقتصر على تثبيط الآخر وانتقاص اعماله، باعتقاد انه كلما انتقد الاخر، زادت اسهمه في عين المثقفين. وحول التسرع في اطلاق الاحكام، علقت الكاتبة السعودية: " إن الاسماء اللامعة يستعملها اصحابها إما لغاية أدبية او لغاية شخصية..!! لأنه بطبيعة الحال يعلمون ان هناك من يتابع ويتأثر برأيهم وقلما نجد الناقد والمثقف " النظيف" الذي لا يبيع ذمة لغاية ما، (فيصبح النقد للكاتب وليس للكلمة) سواء رواية او شعر او اي نص ادبي، فيتأثر الجمهور بقول " المثقف" ويطلق حكمه مسبقا على النص قبل قراءة المحتوى". وحول من يحق له التقييم الفني، أوضحت أميرة إن الصراع الادبي توارثته الأجيال منذ العصر العباسي وحتى يومنا هذا، فكم شهد التاريخ صراع القدماء والمحدثين، فالقدماء تبنوا القصيدة العمودية وقالوا إنها الشعر الحقيقي وغيرها لا يجوز ان يدخل تحت مسمى الشعر وكان لها تلامذتها وعلى رأسهم البارودي في مدرسة الاحياء، والمحدثون الذين جددوا وأضافوا للشعر من حيث الالفاظ والصيغ والاسلوب في قصيدة التفعيلة والشعر المنثور، وعلى راسهم الحريري ومحمود درويش، فاذا كان هذا الصراع قائما بين مخضرمي اللغة.. فكيف نستغربه اليوم؟. وترى أميرة علي، أنه لا يوجد هناك قاعدة او ميزان حساس نقيس عليه النصوص الأدبية، انما هي ثقافات نشأت على يد البعض ووجدت من يؤمن بها أو من يرفضها. صورة نمطية وعد العتيبي:إنتاج الجيل الجديد غالباً ليس جيداً وتشاطرها الروائية وعد العتيبي الرأي قائلة: " ربما فعلاً اصبح النقد "عادة" لأن الكتّاب بشكل عام تعودوا بأن إنتاج الشباب أو الجيل الجديد غالبا ليس جيداً، ودائماً لديهم تلك الصورة النمطية أن الأدباء القدامى هم فقط الجيدون ونسوا بأن كل اديب عظيم كانت له بداية بسيطة، ومن المفترض أن هناك نقادا مختصين وليس كل من يؤلف كتاباً يسمي نفسه ناقداً، وبالتالي فإن التقييم الفني لكل شاعر وروائي يكون للمتمكنين بالطبع، لأنه منح الحق لكل شخص في النقد". معلقة: " أنا شخصياً مع إبداء الرأي لكنني ضد النقد لمن هم غير اهل له". ظاهرة غير محلية بينما يعلق الناقد والروائي عبدالله الوصالي على ظاهرة إطلاق الأحكام المتسرعة على المنتج الادبي بأنها موجودة ليس في العالم العربي والمحلي فقط بل في العالم ككل ويتعرض لها المنتج الأدبي باستمرار، هذا أمر لا يمكن منعه فهو من طبيعة العلاقة المباشرة بين الكتاب والقارئ. مضيفا: " لكن تلك الظاهرة لها نسبيتها في الحدوث بين المجتمعات، هناك مجتمعات قد تبلورت لديها تقاليد العمل الثقافي وصناعة الكتاب ويتعلم أفرادها في مختلف المراحل التعليمية كيفية التواصل مع النص الأدبي كثقافة عامة وليس فقط لمن أختار التخصص الأدبي لأنها وعت أن الأدب في صفته الأعم حالة اجتماعية ثقافية". وأوضح الوصالي: " أن الساحة المحلية لم تكرس بعد تقاليدها الخاصة بعملية القراءة والحكم ولا يزال الكثيرون يفتقدون إلى المعايير الصحيحة في التعامل مع النص الأدبي، طبعا هذا لا يجعلنا نصادر حق القارئ العادي في اختيار ما يحلو له وترك ما لا يحلو له. لكن يدعونا للعمل الموازي على خلق وتكريس بيئة ثقافية اجتماعية تكسب الفرد القدرة على توظيف معايير فنية ارفع في تعاملها مع المنتج الأدبي بدل الأحكام المطلقة". وأضاف: " إن انفتاح التعليم وورش القراءة الجماعية على الجمهور سيؤدي إلى وجود نقاد حقيقيين ونخب أدبية حتما ستقوم بسد ثغرة ولو بسيطة في هذا المجال وإكساب الجمهور من المهتمين لمعايير التعامل مع العمل الفني وتطوير الذائقة ومع ذلك سيظل البعض يمارس أحكام القيمة فهذا أمر لا يمكن القضاء عليه بل التخفيف منه قدر المستطاع". البديل الإلكتروني بينما رأى الشاعر عبدالله المحسن أن الوقت الحالي تغير. موضحا: " أتاحت المواقع الإلكترونية خدمة التقييم والتعليق على الكتاب الأدبي للجميع قرّاءً ونقّاداً عكس السابق حين كان الأمر مقتصراً على الصحف والمجلات والتي لا يكتب فيها إلا ناقد أو قارئ متابع للمطبوعات الأدبية، ربما يكون ذلك سيئا للبعض خاصة إن نُشر عن كتابه الحديث المغلوط والمتسارع غير القراءة المتأنية للنقاد الذين يتوغلون في العمق لفهم الكتاب، لكنه من ناحية أخرى أتاح للكاتب أيضا أن يذاع له صيت عال عن كتابه في مواقع التواصل وهذا يعود عليه بقرّاء كثر". مضيفا: " أرى أننا في عصر يجب علينا فيه تقبّل الآراء الكثيرة حتى للقارئ الذي نعتبره عاديا، ذلك يتيح لنا معرفة الآراء المتفاوتة عكس الوقت الذي كان الكاتب فيه لا يحصل إلا على آراء قليلة جدا". لا للاستعجال أما الشاعر عبدالله الخضير، فيرى أن الحكم على الشيء فرعٌ من تصوّره. مضيفا: "وهو يتطلب المعرفة الحقيقية والدراية الدقيقة بما ستحكمُ عليه سواءً في المنتج الثقافي أو الناتج له ، بعيداً عن الهوى أو الشخصنة ، حتى لا يقع رأيُك تحت مظلّة الظلم والحماقة والسطحية ونقص العقل والخبث وقصد السوء لمن وقع عليه الحكم". مبينا إن كثيراً من الأحكام تندرج في دائرة الظن، والظن مبني على الخيال فهو لا يغني عن الحق، وقد مرّ النقد عبر تاريخه بمراحل تطور ونمو فبدأ انطباعياً كما كان في العصر الجاهلي إلى أن جاء ابن سلام الجمحي في طبقات فحول الشعراء وهو كذلك انطباعي، ثمّ اتخذ النقد مسالك مختلفة ومنها أنه صارت له قواعد كما كان عند ابن طباطبا وغيره من النقاد فكانت له أصوله وقواعده. واستشهد الشاعر الخضير بقول الناقد الدكتور إحسان عباس، في كتابه (غربة الراعي سيرة ذاتية) مقتبساً: " إنني إن كنتُ في دور الناقد كما حصل لي في أمسيات بيروت الشعرية فإنني لا أستحسن طريقة الاستعجال في الحكم على القصيدة ، بل أحب أن أطيل التأمل فيها قبل الحكم عليها) ولعلّ الدكتور علي عشري زايد، أفاض في أهمية قراءة النص والتعرف عليه قبل النطق بالحكم اتقاءً لحكم جائر للمنتج الأدبي ، وهذا واضح في مؤلفاته النقدية ". الوصالي: لم نكرس بعد تقاليدنا الخاصة في عملية القراءة والحكم عبدالله المحسن: تقبُّل الآراء يتيح لنا معرفة الآراء المتفاوتة عبدالله الخضير: كثير من الأحكام تندرج في دائرة الظن نداء بوعلي: استنكار فوز «علوان» بالبوكر دون قراءة عمله مثالٌ للتسرع أميرة علي:لا توجد قاعدة أو ميزان حساس لقياس النصوص الأدبية