في "شجن الجماد" تتبلور الرؤية التي طرحها نص "النساء"، وتتسع تجربة الشاعرة لتبني شعرية جديدة تستنطق ما هو هامشي، فتحكي بلسان الجماد وتطرح رؤيته التي لا يحفل البشر بها ولا يلتفتون إليها. وفي هذه المجموعة تنحاز الشاعرة أيضا إلى القصيدة القصيرة جداً، فتتسم النصوص بالتكثيف الذي يخلو من الغموض، وينشأ عن المفارقة واللغة البسيطة في ظاهرها. وتظل المرأة محوراً بارزاً سواء في عالمها وأشيائها من الجمادات (مرآة، الكشتبان، المكحلة، مكنسة، الحقيبة، ماكينة الخياطة، مشط، العباءة، دبوس شعر.. وغيرها). أو عبر قضاياها ليكون الجماد شاهداً على بعض معاناتها، ففي نص "قارورة" توظف الشاعرة الإيحاءات المرتبطة بهذه اللفظة لتحيل إلى معاناة المرأة (لا أحد يرفق بالقوارير/ الكل في عجلة من أمره/ يرج الزجاجة/ مبتعداً عن الاحتدامات/ التي أحدثها) (ص 417) إذ ينفتح النص على مقولة "رفقاً بالقوارير" فتتماهى المرأة والقارورة وكلاهما يتعرض للإهمال وعدم المبالاة، كما يتعرضان للعنف دون التفات إلى الأثر الذي يحدثه.(انظر أمثلة أخرى، سجادة، أزرار، جرة، مريول، مكنسة، ماكينة الخياطة) وفي ذلك كله لا تحكي الشاعرة عن المرأة بل تحكي الأشياء الجامدة عنها مما يعمق من صورة المعاناة التي تعيشها المرأة. وكما ظهرت المرأة محوراً للكون في "قصيدة النساء" فإن شجن الجماد يكثف تلك الرؤية، إذ تمثل المرأة المحور الأول في علاقة التواصل بين الجماد والبشر، فغالباً ما يحيل ضمير الغائب إلى المرأة، وغالباً ما يكون العنصر الفاعل والمحرك لأحاسيس الجماد امرأة، يحس بعطرها وحركتها وفرحها وألمها، بل إنه يتماهى معها كما في نص السجادة (لا أحد يلحظ إلا الحالمون/ ذلك الشبه المريب/ بيني وبين أولئك النسوة/ اللواتي سكبن أسرار جمالهن/ في نسيجي)، (بصمات النساء/ تتلوى في الهواء/ والخطوات العمياء/ لا تثير شكوكها/ العلاقة المريبة/ بين أسيل خدود النساء/ في مصانع السجاد/ وبين سائل الحرير/ المنسكب على/ أرض الصالونات) (ص 338، 339) فتشكل النساء والسجادة طرفاً في مقابل من يسيرون دون إدراك لعمق الأشياء وحقيقة العلاقات، وينتصر الشعر مرة أخرى، فوحدهم الحالمون -بمن فيهم الشعراء- هم من ينفذون إلى عمق الأشياء وسر التشابه بينها. إن المطلع على أعمال فوزية أبو خالد يصعب عليه أن لا يرى وجع المرأة وتمرد الشاعرة. وأعمالها اللاحقة "تمرد عذري"، و"طفولة ليست أخيرة" لا تهمل الشاعرة ذاكرة الطفولة ونساء مررن بها فيما يشكل شيئاً أقرب إلى السيرة الشعرية، وتظل النساء الملمح الذي تكتبه النصوص، عبر المفردات التي تشكل نسيجها أو عبر القضايا التي تلح عليها ولم تر غير الشعر صوتاً ينتصر لها، لتبقى تجربة فوزية تتعمق صوب اختيارات فنية تكتشف فيها مناطق مختلفة للشعرية تحقق فيها جمال النص الذي ينطلق من البسيط والمفردة البسيطة البعيدة عن التعقيد صوب التكثيف الذي يفتح مسارات متعددة في عالمها الشعري الغني والمتعدد.