ودعنا قبل أيام "ملك الصحافة" ، وهو لقب أطلقه الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- على أستاذنا الكبير تركي بن عبدالله السديري. حقاً أعتز أن أكون ضمن الكوكبة الإعلامية التي عملت تحت إدارته كرئيس تحرير لمدة عشرة أعوام، حيث كان إداريًّا محنكًّا، ولم يكن تعامله كرئيس ومرؤوس، إنما كأسرة واحدة هدفها استمرار صدارة وتميز صحيفة "الرياض". أبو عبدالله -رحمه الله- أسطورة العمل الإعلامي، وقائد بامتياز كان أستاذاً بما تعنيه الكلمة في الصحافة والمهنية والإنسانية والطيبة. وهنا أكون شاهداً على حبه ومساعدة الآخرين بسرية، فأذكر أحد الأفعال الإنسانية التي عاصرتها معه -رحمه الله-، وخلال استعداد الصحيفة لتنظيم احتفالية بفوز "الرياض" بجائزة الأفضل عربياً بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في عام 2010م حين كان أميراً للرياض، كنت أعرف شخصاً اسمه عبدالله بن سيف، أقدم موزع لصحيفة الرياض، حيث كان يعمل في مهمة توزيع الصحيفة منذ بداية صدور الصحيفة عام 1385 ه، فجاءت لي فكرة أن يكون العم ابن سيف ضمن فقرات الحفل، ولم أتردد في طرحها كمقترح أمام أبي عبدالله الذي كانت أبواب مكتبه -رحمه الله- مفتوحة أمامنا. وبعد طرحي للفكرة طلب مني التواصل معه ودعوته للحضور لمبنى مؤسسة اليمامة الصحفية والجلوس مع ابن سيف ومعرفة ما يحمله من ذكريات أبان توزيعه لنسخ الصحيفة. وبعد حضور ابنه لمقر المبنى كانت هناك جلسة له مع الأستاذ تركي ودار بينهما حديث حول ذكريات الصحفية قديماً وآلية توزيعها في أحياء العاصمة تختزل الكثير من المواقف التي تروي مسيرة كفاح وضعتني كمستمع لهما أمام صرح إعلامي هو"الرياض"، حيث كان الحديث متنغماً بينهما بحكم معاصرتهما لذلك زمان الذي يحمل المواقف تروي مسيرة كفاح. وفي نهاية الحوار بينهما طلب مني أبو عبدالله أجري حواراً صحفياً عاجلاً مع ابن سيف ونشره خلال يومين في صفحات الصحيفة بهدف اطلاع القراء عن تجربته كأقدم موزعي صحيفة "الرياض" ومواكب لمرحلة التأسيس، وشاهداً على تطور الصحيفة حتى أضحت واجهة مشرقة للصحافة السعودية عربياً ودولياً، إضافة لدعوته لحضور الحفل والحديث أمام الملك سلمان بتلقائية وبساطة عن تلك الذكريات التي واكبت التأسيس، عن "الغريفات" الصغيرة التي كانت تصدر منها الصحيفة في شارع الثميري يوم أن كانت تدعى "صحيفة اليمامة"، وعن دورة العمل البسيطة آنذاك منذ خروجها من المطبعة ووضعها على دراجته الهوائية التي كان يستعملها في توزيع أعداد الصحيفة على المكتبات والدوائر الحكومية. وبعد الانتهاء وتوديعي ابن سيف دعاني أبو عبدالله للحضور لمكتبه وسألني عن حالته المادية فذكرت له ما أعلم عنه وشكرني بعدها. وفي الأمس القريب وبعد وفاة أبي عبدالله قمت بإجراء اتصال هاتفي على ابن سيف لإخباره عن نبأ انتقال تركي السديري إلى رحمة الله، لعلمي أنه رجل مسن لا يتابع الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، وأثناء المكالمة الهاتفية ونقل النبأ المحزن له سكت قليلاً وتغيرت نبرة صوته التي تحولت إلى حزن ودعواته له بالرحمة والمغفرة. وقال ابن سيف لي معلومة جديدة لا أعلم عنها: " تذكر يا محمد بعد حضوري لحفل الجريدة لم يقصر مع أبي عبدالله وسأل عن حالي وأعطاني ما قسمه الله من حسابه الخاص بدون علم أحد". رحمك الله يا أبا عبدالله.. وداعاً يامن رحل عنا بجسده وبقيت ذكرياته وغرس في كل صحافي حب المهنة.. وداعاً يامن كنت كريماً في عطائه بسرية وبنفس نقية وروح بسيطة في تعاملها المهني.