ينعم الكثير من الناس في هذا الزمن بوافر من النعم ورغد المعيشة، وعلى الرغم من ذلك ينتشر بينهم الحسد البغيض، وهو أول ذنب عصي الله به في السماء عندما اعترض ابليس على أمر الله تعالى له بالسجود لآدم ورأى أنه أفضل وأخير منه. قال تعالى في محكم كتابه يخاطب ابليس: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) وهو سبب أول جريمة لبني آدم على الأرض، إذ قتل الأخ أخاه حسداً منه على قبول الله عمل أخيه في حين لم يقبل عمله هو. وقد عُرف الحسد على أنه شعور يعتري الإنسان عندما يكون لدى شخص آخر شيء يريده الحاسد لنفسه ويستكثره عليه، أو يشعر أنه لا يستحقه وهو أولى وأحق بهذا الشيء منه وهو شعور يولد طاقة سلبية ضارة لصاحبها قبل غيره، وقيل أيضاً عن الحسد أنه كراهة النعمة على المحسود مطلقاً وهو مذموم ومحرم. والدافع الأساسي لهذا السلوك الأنانية والكبر وهو من أهم مولدات التنافس والصراع والعنصرية وحب البقاء لدى البشر، عندما يرون أنهم الأفضل، والأحسن، والأهم. إن هذا السلوك وأن بدا شائعاً ومستهاناً به في زماننا فإنه يحمل آثاراً سلبية للغاية على صاحبه ومن حوله وسرعان ما يتحول إلى أوجاع وأمراض نفسية تؤثر على الحاسد نفسياً وعقلياً وحتى جسدياً. وللأسف أنه يكون أكثر انتشاراً بين الأحبة والأقارب، وتؤجج ناره وسائل التواصل الاجتماعي التي توحي لمن يتابع حياة بعض الأشخاص أنهم يعيشون بصورة مثالية ومرفهة مما يلهب غيرة وحسد الحاسد ويشعره بالفشل الذريع والعجز. قال ابن المعتز: اصبرْ على حَسدِ الحَسُودِ فإنَّ صَبْرَكَ قاتِلُهُ فالنّار تَأكلُ بَعضَها إنْ لم تَجِدْ مَا تَأْكُلُهُ وللحاسد أهداف يريدها أن تتحقق لكي يشعر بالراحة والاطمئنان، وهي أن يرتفع هو لما يظنه مكانة أفضل أو أعلى، أو أن ينزل الطرف الآخر إلى مستواه أو وأقل. فالشخص الحاسد يعتقد في قرارة نفسه أنه صاحب حق لذلك يسخر كافة طاقته لمحاربة المحسود والإضرار به ويشرع لنفسه كافة الوسائل الدنيئة من كذب واشاعات وتشويه سمعة وتمني زوال النعمة حتى وأن لم تأت إليه. قال الله عز وجل:(وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ). ونحن هنا أيها الحاسد نطرح عليك عدة أسئلة: عزيزي الحاسد تخيل نفسك مكان المحسود هل كنت ترضى أن يحسدك أحد على ما رزقك الله؟ هل تذكرت أن الله هو الرزاق المعطي وان حسدك لن يمنع شيء كتبه الله؟ هل لجأت إلى الله ليطهر قلبك من الغل والحسد؟ هل ساعدت نفسك بالابتعاد عن كل المصادر التي تؤجج غيرتك وحسدك؟ هل سعيت لقلب طاقتك السلبية إلى إيجابية لتكون أنت الفعل وليس ردة فعل؟ قال الإمام الشافعي: الا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في حكمه لأنك لم ترض لي ما وهب