| تتمة ما قبله.. قال ابو العتاهية : أرى الدنيا لمن هي في يديه عذابا كلما كثرت لديه تهين المكرمين لها بصغر وتكرم كل من هانت عليه إذا استغنيت عن شيء فدعه وخذ ما انت محتاج اليه وما ضر الأمم مثلما ضرها من اثنتين: الحسد، والكبر.. فأما الحسد فبغض وقعت اشبه ما يكون في صدر الحاسد بالنار المتأججة، لأن الحاسد لا يرضيه اقل من زوال النعمة عن الآخر فهو اذاً من الأخلاق البذيئة الدنيئة.. قال انس بن مالك رضي الله عنه : الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.. وقال ابن المقفع: الحسد والحرص دعامتا الذنوب فالحرص اخرج آدم عليه السلام من الجنة.. والحسد نقل ابليس من جوار الله تعالى.. وقال الامام علي كرم الله وجهه: ما رأيت ظالما اشبه بمظلوم من الحاسد نفس دائم وعقل هائم وحزن لازم.. نعوذ بوجه الله من الحسد، وقال رضي الله عنه : (لله در الحسد ما اعدله يقتل الحاسد قبل ان يصل الى المحسود).. وقد اخذها بعض الشعراء حيث قال : لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله!! وقال الاخر : الا قل لمن بات لي حاسدا أتدري على من أسأت الأدب؟ أسأت الى الله في حكمه اذا انت لم ترض لي ما وهب!! والحاسد لا يرضيه شيء مهما فعلت معه الا ان يراك خلوا من كل شيء، فمهما وهبته وساندته او فرجت عنه وقربته وتعهدته بكل ما تقدر عليه فلن تفلح ابدا.. حتى ان بعضهم سئل لماذا تحسد فلانا وهو يواليك ويخصك دون غيرك بالاكرام؟ قال : نعم حتى اصبر مثله او يصير مثلي.. ولهذا قال المتنبي: واظلم اهل الارض من بات حاسدا لمن بات في نعمائه يتقلب!! أما الاثر الشريف فيقول : (لا حسد الا في اثنتين رجل اتاه الله مالاً انفقه في حق، ورجل اتاه الله حكمة فهو يقضي بها) او كما قال .. اما الكبر فشأنه شأن عظيم.. قال جل من قائل : (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) وقال جل جلاله : (إنه لا يحب المستكبرين) وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : (ان الله يقول الكبر ازاري والعظمة ردائي من نازعني واحدا منهما القيته في النار).. وقال المأمون: ما تكبر احد الا لنقص وجده في نفسه ولا تطاول الا لوهن احس من نفسه.. ولقد وصل الكبر بأمم الى نهايتها وقد تنبه الحكماء والشعراء الى هذه الآفة فنثروها في اشعارهم وخطبهم للعبرة والموعظة.. لأن المتكبر لا يجني على نفسه بل حتى على من حوله ومن هنا كانت فوادح الكبر طامة ورهيبة.. اخي الصائم رأيت ان تكون مقالتي هذه بمثابة النصيحة ولا أكتمك سرا انني قد نقلت لك في آخر هذا الحديث ما رأيته موافقاً لرؤيتي اثناء الكتابة ايمانا مني بقوله صلى الله عليه وسلم : (الدين النصيحة) ولأنه لا يحسن بي ان اترك هذا الكلام غفلا ولا اضن عليك بالمراجع، فإن اردت الاستزادة فقد اوضحت لك في الهامش بعضا مما اعتمدت عليه ارجو من الله ان نكون عند حسن الظن وان يقينا مصرع هاتين الآفتين وان يثبتنا واياك على المحجة التي شرعها الله لعباده المخلصين، وفي نهاية هذه المقولة احببت ان اطرف قرائي بأبيات اخذتها من قصيدة لي في مكةالمكرمة مهبط الوحي ومنطلق النور: يا مهبط الاشراق كم من معجز وحضور املاك ومدّكر غني كم فيك من مثل يطول وحكمة ملء الوجود وجبهة لم تنحنِ جاءت بك الشمس النقية والدنى مدثورة بأديمها المتغضن فشددت جفنيها وصحت بسمعها وركضت في أطرافها باللين!! وبترت منها كل عضو فاسد وسللتها عن رخوها المتعفن وأبنت منهجها القويم حضارة خلدت لهذا العالم المتمدن!! هوامش: 1 سورة آل عمران آية 8. 2 سورة يونس آية 94 3 ظلال القرآن .. سيد قطب .. ج 6 ص 3399 4 الفرقان والقرآن.. خالد العك .. ص55 5 محاضرات الأدباء .. للراغب .. ص 103.