مع المراسيم الملكية الأخيرة خرج وزراء وحضر وزراء آخرون، وهذا طبيعي في أي دولة يسعى قادتها لتجويد العمل وتعيش حالة تحول اقتصادي وثقافي واجتماعي ملموس من الجميع، ولكن الغريب السموم التي تم بثها من قبل بعض الناس عبر الفضاء الإلكتروني تجاه بعض الوزراء الراحلين، حيث وجدنا كما كبيرا من التملق للجديد وفتح ملفات القدماء بشكل فج..؟ لا بأس بتحية القادم لأي سبب، ولكن نقد الآخر لا بد أن يخضع لمعايير أخلاقية عالية.. نعم الاحتفاء بالقادم وتقديم المقترحات له طبيعي ومطلوب من الجميع خاصة المهتمين بالمجال أو القادرين على الارتقاء به سواء من منطلق التخصص العلمي أو من واقع الاهتمام والمتابعة. ليس من أدبيات النقد أن تمتدح الوزير الجديد بنقد الوزير الراحل من منظومة المؤسسة الحكومية بشكل نهائي. الوزير الذي رحل نقده لا يسمن ولا يغني من جوع، بل إن في ذلك نوعا من تصفية المواقف الشخصية التي لا تهم المتلقي.. ربما نستفيد من تلافي أخطائه التي أدت لإعفائه.. بذكرها دون مساس بشخصه أو الفجور في النقد، وربما نتلافى بعض أساليبه في العمل التي أدت لتأخر وزارته.. وربما يهم الوزير الجديد معرفة فريق عمله المحيط به والذي كان سببا حيويا في أخطاء من سبقه.. ولكن المتلقي لن يسمع ويقتنع برأي من مجّد وطبّل للوزير الراحل وقت تعيينه ثم صمت وقت عمله ثم يعلن حربا شعواء عليه بعد رحيله..؟ نعم النقد لمن كان على رأس العمل دون مساس بشخصه بل بعمله هو أداة تقويم وبناء.. أما غير ذلك ففي الأمر تفاسير أخرى.. ليس من الشهامة أو القوة والشجاعة الأدبية أن تنقد مسؤولا رحل.. لنا حق نقده مادام على رأس العمل بل ومكاشفته في كل أخطائه، ولكن ليس بعد أن ترك كرسي العمل، وليس من الشهامة أيضا أن تفجر في خصومتك في إنسان لمجرد الاختلاف معه فكريا أو مهنيا أو نتيجة تنافس في توقعات الاستحقاق بالمنصب. كنت أتمنى ممن وقفوا في مشهد النقد والتقييم خاصة ممن كانوا في عمق العمل مع الوزراء الراحلين أن يفتحوا ملف الخلل داخل أروقة وزارتهم ومع وزرائهم الجدد فقط وليس على الملأ لأن الرأي العام والمواطن العادي لا يهمه نقد وزير خرج من المؤسسة الحكومية بكاملها.. نعم المواطنون العاديون -وهم السواد الأعظم من مستقبلي محتويات الرسائل الإعلامية بكافة منصاتها- يهمهم نقد الوزير لتقويمه لصالحهم ولخدمتهم وليس لتصفية حسابات بين متنافسين أو مختلفين في الفكر.. إشكالية البعض أنه يعتقد أن الجلوس على كرسي الوزارة يعني تنفيذ حوارات المجالس أو حتى تنظيرات المقالات. كرسي العمل الحكومي مرتبط بسياسات عليا تهدف في مجملها لخدمة الوطن والمواطن ولكن وفق تنظيمات وأطر قانونية لا تهتم للفكر الانطباعي على كرسي الأحلام. النقد البناء مسؤولية، بل هو نوع من ممارسة الوطنية، وليس من الوطنية أن تمتدح فاشلا لأنه على كرسي المسؤولية ثم تنقده بقوة بعد أن ترك الكرسي.