التفكير هو الطريق للإبداع. ولكنه ليس طريقاً واحداً بل هو طرق كثيرة. معظمها غير واضح المعالم ولا تعرف متى تصل إلى نهايتها. لذلك تجد حالات المفكرين من الناس، والوصول إلى أفضل إنجازاتهم العقلية متفاوتة. فبعضهم يصل لأفضل أفكاره في سن مبكرة، وبعضهم يصل إليها في نهاية عمره. وبعضهم لا يصل إلا لشذرات، وبذور من أفكار لا يتسنى لها النضح في حياة المفكر. على كل حال، نعاني في مجتمعاتنا العربية من آفة الشك في قدراتنا العقلية. إذ لا تزال موجودة فينا عقدة تتعلق بالتفكير، وكأن بعضنا يظن أنه لن يصل إلى فكرة أصيلة في حياته كلها مهما فعل، وأن توليد الأفكار الأصيلة هو مهمة شعوب أخرى. ومن يقوم بذلك فإنه لا شك قد «سحب على عقله»! وهذه ثقافة فاسدة تحتاج إلى تغيير.. فإذا كنت تدرس في المدرسة، فصحيح أن محتوى المناهج مصمم ليتضمن معلومات دقيقة، ولكن هذا لا يمنع أن تفكر باستقلالية، وأن تقف عند كل معلومة متسائلاً: هل هذه المعلومة معقولة في نظرك؟ وإذا قيل لك إنها معلومة موثوقة أكيدة.. فحاول أن تفهم كيف عرفنا ذلك! وهي رحلة ممتعة، لكنها قد تكون شاقة أحياناً. وإذا كنت تدرس في الجامعة، فهي فرصتك لتتعرض لأفكار ومعلومات كثيرة، وعميقة -في نطاق تخصصك تحديداً- وأن تحاكي ما فعله علماء تخصصك فيما مروا به من مراحل تفكير، وتخمين، ووضع فرضيات، ونظريات، وعمل تجارب، وعمليات رصد.. بل هي فرصتك في التفكير في امتدادات لأعمال أولئك العلماء، وربما -إن كنت محظوظًا- أن تكتشف خطأ ما قد يبدو لك في أعمال أحدهم، أو أن تسير في طريق تؤدي بك إلى اكتشاف شيء جديد. أما إذا كنت تعمل، فضغوط الحياة ومسؤولياتها كثيرة، ولكن ما الإنسان بلا تفكير؟ إن كثيراً من الممارسات تحث العقل على العمل، وتوليد الأفكار.. كالقراءة.. الكتابة.. النقاش المفيد البناء مع الأصدقاء والغرباء.. وربما المغامرة بالخروج من نطاق العمل المألوف إلى تجارب جديدة في الحياة (في الوقت المناسب). العبرة في كل ما سبق ليست أن نكون «شطاراً»، أو «دوافير»، بل أن يكون الواحد منا متسائلاً، مفكراً ومجرباً.. وأن نؤمن بما وهبنا الله من قدرات عقلية متساوية مع سائر البشر، ومختلف الشعوب. فكر لنفسك وبنفسك.. وقيم أفكار غيرك من الناس قبل أن تقبلها أو ترفضها.. باختصار، «لا تسحب على عقلك»!