تقلصت فرص الحكام السعوديين بوضوح، للمشاركة فيما تبقى من مواجهات حاسمة في "دوري جميل" وكأس خادم الحرمين بصورة فعلية، بعد أن سارعت جل الأندية للاستفادة من قرار اتحاد الكرة الجديد في أول اجتماعاته، برفع طلبات الأندية في جلب طواقم الحكام الأجانب إلى ثمانية طواقم، وجاء ذلك امتداداً لقرارات اتحاد الكرة السابق والاتحادات التي سبقته، والتي ظلت جميعها تسير في اتجاه واحد، يعزز تواجد الحكم الأجنبي على حساب نظيره المحلي، واستجابة لضغوط الأندية المتنافسة، وحتى مثيلاتها تلك التي تصارع على البقاء. لا يمكن في هذا المشهد وهذا التوقيت توجيه اللوم لاتحاد الكرة الجديد في قراره المفاجئ، بالسماح بطلب ثمانية طواقم تحكيم أجنبية، إذ إن المتابع لأزمة الحكم المحلي المتجذرة منذ مواسم عدة من دون حلول منطقية، بات يسير أيضاً في القبول ذاته في هذا الاتجاه ولو على مضض، للحد من ضغوط وانتقادات الأندية، وربما يكون الزمن الضيق قبل نهاية الموسم مبرراً واضحاً لاتحاد الكرة الجديد لاتخاذ معالجة مؤقتة، لتداعيات اهتزاز الثقة في الحكام المحليين. سريان القرار الجديد خلال الموسم المقبل سيكون هو الخطر المحدق أو المسمار الأخير، الذي يدقه مسؤولو اتحاد الكرة في نعش التحكيم السعودي، بل ربما تمتد آثاره طويلاً على حضور للكرة السعودية في المحافل الخارجية، من نافذة الحكم السعودي الذي كان يجد متنفساً من خلالها للتألق، بعيداً عن دائرة الضغوط التي تحاصره محلياً من كل صوب، وأدت عملياً إلى فقده الثقة حتى في إمكاناته، ما فاقم من أخطائه خلال قيادته للمباريات. الحديث عن أخطاء الحكام المحليين مقارنة بالحكام الأجانب، وتحميلهم العثرات، مع غض الطرف عن أخطاء نظرائهم الأجانب، بات حديثاً مملاً في مشهد الكرة السعودية، ومشابهاً لمبررات المسؤولين في اتحاد الكرة ولجان الحكام، عن بشرية الحكام، وتعرضهم للضغوط المتزايدة، وأن الحكم جزء من اللعبة، كل ذلك لم يعد مقنعاً أمام حجج واعتراضات الأندية، وهروب مسؤوليها من مواجهة الأخطاء الفنية والإدارية، وحتى انتقاد اللاعبين أمام جماهيرهم، في ظل وجود شماعة جاهزة كالتحكيم المحلي. لا يمكن أن نتجاهل اهتزاز أداء الحكم السعودي في المنافسات المحلية، وأن كثيراً من قراراته تسببت في تغيير الكثير من نتائج المباريات، ولكن أيضاً لا يمكن القول إن أخطاء الحكام متعمدة، لأن هذا يعد خوضاً غير مشروع في الذمم، لايمكن القبول به، فيما سيكون من المناسب أمام اتحاد الكرة الجديد تبني برامج تطويرية، قبل انطلاقة الموسم المقبل، تعنى بتهيئة الحكام المحليين من الجوانب النفسية والشخصية، فالحكم السعودي بارع في القانون، ولكن شخصيته المرتبكة غالباً ماتكون خلف ارتكابه الأخطاء، فالتحكيم لم يعد مسألة لياقة وحفظ لفقرات القانون، وإنما مجموعة ثقافات وأنماط شخصية، تحتاج للتدريب والتثقيف والإعداد، بالاستعانة بالمحاضرين والمهتمين بجانب التطوير الذاتي، والتهيئة النفسية للحكم، وربما تبدو خطوة رائعة ومثمرة لاتحاد الكرة ولجنة الحكام لو تم العمل بها لتطوير سلوك وتصرف الحكام إلى الأفضل، عن طريق محاضرات نظرية، وورش عمل يمكن قياسها جلياً على أداء الحكام خلال المباريات، وربما تساهم كثيراً في تنمية قدراتهم على مواجهة الضغوط، ما قد يعيد للكرة السعودية الأمل في بروز حكام مؤثرين، بشخصياتهم القوية الممزوجة بتطبيق القانون، دون ارتكاب الكثير من الأخطاء المحبطة، كما يحدث منذ مواسم عدة، ما أدى إلى تقليص فرصهم لصالح حضور كثيف للحكام الأجانب.