جاءت عودة الحفلات الغنائية إلى داخل المملكة بمثابة طوق النجاة لصناعة الأغنية السعودية التي ظلت لسنوات في حالة سبات تضرر منها الفنانون والجمهور على حد سواء. فمنذ آخر حفلة في مدينة الرياض عام 1992 وآخر حفلات جدة وأبها قبل سنوات، غاب بريق الأغنية السعودية ودخل المطربون، الكبار منهم والصغار، في حالة خمول ورتابة و"ضياع" انعكست بدورها على حضورهم في سوق الكاسيت، حيث ضعف إنتاج بعضهم وتوقف البقية تماماً. الحفلات الغنائية بما تحتويه من عوائد مالية وتواصل مباشر مع الجمهور، هي بمثابة الروح لصناعة الأغنية التي لا غنى للفنان عنها كي يبدع ويستمر، وكانت هذه الروح حاضرة في ساحة الفن في المملكة منذ بدايتها، خاصة في عقد الثمانينيات الذي ما يزال هو أفضل عقود الأغنية السعودية على الإطلاق، حيث امتلأت مدن المملكة بالحفلات الغنائية، ورافق ذلك انفجار في سوق الكاسيت وصل إلى إنتاج عشرات الألبومات أسبوعياً في حراك فني كبير لم يتوقف إلا مع توقف الحفلات الغنائية. ومع عودة الحفلات ونشاطها المكثف خلال هذه الأيام، بدأت الروح تعود مجدداً للفنانين وازداد تواجدهم في الإعلام ووسائل التواصل، كما بدأت مرحلة جديدة من التنافس بينهم على الحضور في الحفلات والتألق في الأداء وإنتاج الألبومات، وهذا كله سينعكس إيجاباً على صناعة الأغنية السعودية وستعود كما كانت نشطة متألقة وناجحة وقريبة من الناس في هويتها ومزاجها. إن صناعة الأغنية رافد اقتصادي وطني مهم لو استثمرت بشكل احترافي، وما تشهده المملكة هذه الأيام من حراك في هذا الاتجاه، يوحي بأن صناعة الأغنية في طريقها لأن تحتل مكانها في دائرة الاقتصاد الوطني، خاصة بعد الأرباح المليونية التي حققتها حفلة جدة التي أحياها محمد عبده وماجد المهندس ورابح صقر في شهر يناير الماضي، ثم حفلة الرياض لمحمد عبده وراشد الماجد في مارس الماضي، في نجاح كبير شجّع القائمين على الحفلات على المضي قدماً في هذا الاتجاه وتنظيم ثلاث حفلات إضافية، اثنتان منها في الرياض؛ الأولى ستقام غداً الاثنين في مركز الملك فهد الثقافي يحييها رابح صقر وخالد عبدالرحمن، والثانية في نفس المكان في الليلة التي تليها - الثلاثاء - وسيحييها عبادي الجوهر وجابر الكاسر، والحفلة الثالثة ستكون في جدة وسيحييها كل من محمد عبده وطلال سلامة مساء الأربعاء المقبل. والنجاح الذي حققته هذه الحفلات حتى الآن يقول: إن مجال الأغنية مهيأ تماماً لتحويله إلى صناعة تدر أرباحاً كبيرة وتعيد الروح والحيوية والرغبة للفنانين لكي ينتجوا أعمالاً ذات جودة عالية ترضي جمهورهم عندما يلتقون به مباشرة ودون وسيط في حفلاتهم المقبلة. خالد عبدالرحمن رابح صقر