تنامت في بلادنا أخيراً الشركات المساهمة، ومؤسسات تنفيذ المشروعات الحكومية، وشركات أسهمها متداولة وتملك الدولة أنصبة فيها، وأنواع أخرى من التآلف المالي والمصلحي والتضامني والخدمة المتلازمة. نسبة كبيرة من تلك التجمعات جاءت نتيجة علاقة عملية ونزيهة بين المؤسسين. إلا أنه مع مرور الزمن وتنامي النشاط تبدأ الأمور الشخصية بالظهور على السطح فيقرّب ذوو المراكز العليا أقارب وأصهار وأصدقاء ثم لا تلبث الحال أن يجد التنفيذون الآخرون أنفسهم محاطين بأقارب الملاك أو الإدارات العليا. في المنظور العملي للإدارة الحديثة هذا يُسمى تضارب مصالح، ولا يوجد نظام يمنع توظيف الأقارب إلا أن المهنية وأخلاقيات الحاضر لا تُشجّع ممارسات كتلك، لا لشيء إلا أن الروح العائلية ليس هذا مجالها. ويمكن لمن أراد أن ينفع قرابة أو معزوزين أن يُرشّح أسماءهم لجهات أخرى ضمن هيكل إداري تنعدم فيه نظرة القربى. فمهما كانوا مؤهلين وقادرين ومنتجين فإن لزملاء العمل نظرتهم الخاصة عن سبب وجودهم على مسافة قريبة من الرئيس. والملاحظ أن ثمة أسماء بارزة نالت درجاتها الجامعية من الخارج، ويعترفون أنهم قرأوا الشيء الكثير عن ما يسمى بالإنجليزية (كونفليكت أوف انتيريست). ومع ذلك فما أن يأتي إلى مرفق من المرافق إلا وأعلن «الدعوة العامة» في الوسط العائلي وجاء بأخيه وابن أخيه وخال زوجته. نفس المدير ذاك سيواجه شوائب كثيرة تكتنف حياته من الناحيتين العملية والأخلاقية وستكون لدى المجتمع حساسية معينة تجاه ذاك الشخص. ليس عدلاً ولا تحضراً أن يُضحي المرء بعهدته، فإلى جانب المؤهل تأتي الكياسة والطهارة. وغير ذلك يكون المسؤول عرضة لسيل من التندر والهزء لأنه استغل الوطن بمؤهله (إن صدق) وحشر المحاسيب والأصدقاء والممالئين لأغراضه على مرأى ومسمع من الكون وخالقه. أعود لأقول: إن أخاك وابن عمك قد يكونان من أحسن الناس تأهيلاً، لكن مكانهم الطبيعي ليس في مرفق أنت على قمة هرمه. لأن الاعتراض غير المعلن يصعب تجاهله وسيبقى في صدور مرؤسيك لأنهم حتما سينظرون إلى أقاربك على أنهم حملة صكوك غفران.