المستقبل الذي ندخله برؤية اقتصادية فاعلة (2030) لا بد أن ندخله أيضاً برؤية تقوم على أساس بناء اندماج ثقافي وفكري يتيح للشباب في المجتمع أن يبني أنساقاً قيمية جديدة سياسية على مستوى القيادات وثقافية على مستوى المجتمع.. ليس شيئا يحدث في الخفاء فتلك المؤشرات التي تحيط بمجتمعاتنا وخصوصا نحن في الخليج ترسل لنا بأن الكل أصبح يدرك أن عملية الانتقال إلى المستقبل تشكلت كضرورة تاريخية ملحة فرضتها تحولات سياسية واقتصادية ليس لأحد الخيار في تجنب مواجهتها والتعامل معها عن قرب. السؤال الملحّ يقول: كيف سنتحول إلى ذلك المستقبل محافظين على مراكبنا السياسية والثقافية والمجتمعية بكل نجاح..؟ وما هي متطلبات ذلك التحول وكيف سيتمكن مجتمع يمثله الشباب في غالبيته من بناء لغة مشتركة على المستويات المجتمعية..؟ التحولات هي في طبيعتها تحد كبير ولكنها ممكنة وخاصة إذا استطعنا قراءة معطيات هذا التحول بشكل تفصيلي ودقيق لذلك فإن تسمية المرحلة التحولية مهم جدا لكي تستوعب المجتمعات الفكرة وتتبناها بشكل منطقي، في مجتمعنا لا يوجد تحديات داخلية بالمعنى السياسي أو الاجتماعي فما يوجد لدينا هو فرص مكتملة موجودة في عقول الشباب في المجتمع. خلال الخمسة عقود الماضية تكونت في مجتمعنا تلك الفرص التي أشير إليها، فمن لا يعرف البنية الثقافية في مجتمعنا يصعب عليه قراءة دقيقة لواقعنا، فالبنية التحتية التي تكونت خلال هذه المرحلة في جميع المجالات وخاصة التعليمية والفرص الكبرى لتلقي التعليم في كل مكان في هذا العالم وقد حدث هذا خلال عقود من الزمن أتاحت للجميع الفرصة أن يتلقى تعليما مميزا في كل أنحاء العالم. التعليم فارق مهم في صناعة المستقبل والأجيال الجديدة التي بلا شك تشكل الفرصة الأكثر جاهزية لإحداث التحول والبناء نحو المستقبل الجديد، مجتمعاتنا لم تتلوث بتلك الثورات المؤلمة التي طالت الشعوب من حولنا وأسهمت في تمزق نفسي وفكري وسياسي للمواطن العربي، ومع أن التفسيرات الكبرى لما سمي بالربيع العربي عبّر عنها بثورات تحررية إلا أن النتائج التي ظهرت كشفت لنا حجم البؤس الفكري الذي تعاني منه الظاهرة الفكرية في عالمنا العربي. اتضح لاحقا أن النتائج كانت بسبب خيارات غير دقيقة في قضية التحول وقراءة أقل عمقا للواقع، والغريب في الأمر أن الدول العربية وخاصة الخليجية التي استقرت في هذه المرحلة الطائشة هي دول بنت أنظمتها التعليمية والثقافية في عهد حديث بالنسبة لتلك الدول التي تعرضت للثورات العربية. الفكرة حول المستقبل هي في حقيقتها ستشكل امتدادا طبيعيا لبناء سياسي وثقافي أكثر عمقا، فمجتمعاتنا بالرغم من حداثتها استطاعت بقدراتها السياسية أن تمنع الانزلاق نحو نظام اجتماعي غير متماسك ويمكن تهديده بالفوضى، هذه النتيجة سترسخ التواصل مع المستقبل في مجتمعاتنا. الخيار الأول هم فئة الشباب واستثمار تطلعاتهم وقدراتهم التربوية وعدم الحذر من فتح فرص التعليم لهم وفق أرقى المعايير وفي أفضل المؤسسات، فالتعليم بحد ذاته يجب أن لا يكون خيارا مربوطا بالاستيعاب الوظيفي وهذه هي اللغة التي يجب أن تتبناها المؤسسات السياسية والاجتماعية، فالتعليم الجيد هو الفرصة الوحيدة لمنح الشباب عقولا جيدة وهذا يتطلب الفصل بين فرص التعليم والابتعاث وبين الفرص الوظيفية لأن صناعة العقل الجيد تشكل الوقاية الأكثر نفعا من كل تمزق نفسي وفكري ومعرفي للفرد. المستقبل الذي ندخله برؤية اقتصادية فاعلة (2030) لا بد أن ندخله أيضا برؤية تقوم على أساس بناء اندماج ثقافي وفكري يتيح للشباب في المجتمع أن يبني أنساقا قيمية جديدة سياسية على مستوى القيادات وثقافية على مستوى المجتمع، الشباب في مجتمعاتنا بحاجة إلى فضاءات ثقافية وفكرية لا تعيد إنتاج القائم بل عليها الاستعارة والاستيراد فالثقافة التي وصلت إلينا عبر التاريخ أصبحت مع هذه التحولات والضرورة المستقبلية أمام خيارات إستراتيجية تفسر حاجة كبرى لتفعيل فكرة الدمج السياسي والاجتماعي بين الماضي والحاضر للوصول إلى المستقبل.