من منا لم يقرأ مطولات الدكتور استفهام على صفحات الانترنت. جدال في كل اتجاه وحوار مع كل طيف. تتعدد الحوارات والمساجلات ويظل بدر العامر دكتور الاستفهام الأبرز. بدر العامر من الشباب الذين صافحوا العقل مبكراً مع أرضية سلفية محضة فكان هذا التلاقح يبشّر بنتاجات متفجرة. انتقد «القاعدة» وتعرض لهجومهم وانتقد السلفية وهو منهم! من يتأمل في آراء بدر يجده في حوار متقد مع كل أحد حتى تعجز أحياناً أن تعرف هو مع أي الأطراف. وتخرج بحقيقة أنه مع عقله وبس. بدر بدأ مشوار الدراسات العليا مع المناهج الغربية والنصوص الشرعية ومن هنا بدأت جيناته في التبشير بالكثير الكثير... فإلى تفاصيل الحوار في لغتك دهاليز متشابكة، وعدد لا متناهٍ من المصطلحات والاحتمالات والكثير من الغموض... هل عالمك الداخلي على الدرجة نفسها؟ - في الجانب الاجتماعي أنا رجل بسيط، وضعيف في باب العلاقات الاجتماعية، وإن كنت آنس بالناس، وأحب الجلوس مع كل طبقاتهم ومختلف مستوياتهم المعرفية، إلا أن طبيعة اهتماماتي المعرفية تشعرني بغربة قوية أغالبها بعسف النفس على العيش في النسق الاجتماعي أياً كان، ولذا أهتم كثيراً بأنماط الثقافة المجتمعية في معرفة الأنساب والقبائل والشعر العربي والنبطي وغيرها حتى يعوض الإنسان ما يشعر به من اغتراب في أوساط الناس وعامتهم. اتصال نسبك بالرسول صلى الله عليه وسلم... هل ألزمك بشيء؟ - النسب هو أمر قدري وليس أمراً طلبياً، لا حيلة للإنسان في وجوده ولا في نفيه، والكلام الجامع في هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، وإن كان النسب الشريف باباً كبيراً من الرجاء في أن تحصل الشفاعة للإنسان بسببه أكثر من غيره، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي). أطروحتك في الماجستير كانت عن مناهج الاتجاه العقلي الغربي في العصر الحديث وأثرها في الاتجاه العقلي الغربي في قراءة النصوص الشرعية... كيف وجدت أثر تلك المناهج على نصوص الشرعية؟ - الغرب كله مؤثر في العالم العربي والإسلامي حضارياً وفكرياً ومدنياً، ولا شك في أن تلك المناهج أثرت في قراءة النصوص والتراث بشكل عام، والغالب فيمن يتأثر بتلك المناهج وبخاصة في قراءة النصوص الشرعية أنه يصل إلى نتائج خطيرة في حرف النصوص عن معانيها، أو في إبطال القدسية ونزعها من النصوص. في ظل المناخ الثقافي... أيهما تعزز لديك أكثر، عوالم اللغة أم منهجيتك الخاصة؟ - المنهجية الشمولية الخاصة صعبة للغاية، لأنها تحتاج إلى أناس من طراز خاص، واستكمال أدوات اجتهادية كثيرة تحتاج إلى زمن طويل وقراءة معمقة، وتجارب خاصة، ولا سيما أن البيئة التي نعيش فيها لا تتيح فرصة كبيرة للتفرد في الرؤية بعيداً عن المناخ العام، وكذا فإن الرؤية الخاصة لا بد من أن تدعم بجرأة يتحمل الإنسان فيها تبعات ما يواجه، ولا سيما في مجال الرؤية الواقعية ومسائل الإصلاح وغيرها. عندك تنوع وغزارة... كيف توفق بينهما من دون أن يغرقك التشتت؟ - دائماً أشعر بأن هذا التنوع هو أمر سلبي يقطع على الشخص إمكان أن يركز في ما يريد قوله، وللأسف فإن تربيتنا العلمية والفكرية تتيح فرصة كبيرة للخوض في مجالات متعددة في لحظة واحدة، واحترام التخصص هو دعوى أكثر منه واقعاً ملموساً، ولكن أرى أني في هذا التنوع لم أخرج عن إطار الشأن الثقافي والعلمي والدعوي والفكري، وبينها ارتباط عضوي وثيق، ولم أدخل في مجالات فكرية متمايزة بشكل واضح. كيف أنت والتقسيم «ثقافة نخبوية» وأخرى «شعبية»؟ وكيف الحدود بينهما في ما تكتب؟ - الطرح الشعبي هو طرح يوصل الإنسان إلى شريحة كبيرة من الناس، ويدخله في الرؤية الدغمائية التي تغيّب العقل والتأمل والفكرة المعمقة إلى الأفكار المؤتية التي يتمايز فيها الناس من خلال الأداء اللغوي، والقدرة على التأثير العاطفي، والحضور الكاريزمي بينما الطرح النخبوي هو طرح مركز، ولكنه يحصرك في إطار محدود، ويقطع صلتك بالجمهور العام، بل ربما تكون ثقيلاً على الآخرين الذين لا يهتمون بالشأن الثقافي، لأنهم يريدون أن يفهموا بسهولة بلا تكلف. مع أني أحاول أن أكتب أشياء ولا سيما في ما يتعلق بالشأن العام بأسلوب يجمع بين الفكرة والعاطفة والأسلوب المفهوم للعموم، باعتبار أن القطيعة مع الشريحة العامة خطأ منهجي، فمن يقطع صلته بالعامة فهو يقطع صلته بالواقع الذي يعمل فيه فكره ويقطع عليه هذا كذلك فهم المشكل الاجتماعي وعلاقته بالرؤية الفكرية والثقافية. متى ترى أن الأشكال النخبوية تثير رد فعلٍ جماهيري؟ - الجماهير تريد من يتحدث بشؤونها الخاصة فيحرك من خلالها مشاعرهم، سواء كان نخبوياً مثقفاً، أم كاتباً صحافياً، أم عالماً شرعياً، أم فيلسوفاً حالماً، ولكن على المستوى الاجتماعي فإن العامة يريدون من يتحدث بهمومهم، ويركز على مشكلاتهم، ويتطلع إلى حلول أزماتهم، وكلما ركز الإنسان على هذا الجانب كلما كان إلى الجماهير أقرب، ولذا وجدنا في العصر الحديث كيف انجفلت الجماهير العربية إلى الطرح اليساري باعتبار القيم التي كانت تبث، فالحرية والعدالة الاجتماعية وغيرهما هي شعارات تدغدغ العواطف، ولكن الجماهير كذلك لا يرحمون إن وجدوا أن هذه الوعود مجرد هراء وخواء، ونقمتهم نقمة كبيرة. «القاعدة» و«السلفية» والعودة تنقد «القاعدة» وتتحاشى السلفية من الداخل وتهيم بمنهج سلمان العودة.. أليس في ذلك معادلة صعبة؟ - أظن أني نقدت السلفية في مواضيع كثيرة كتبتها، نقدتها وأنا أعتبر نفسي جزءاً منها، ولكن للأسف فإن السلفيين لا يقبلون النقد الداخلي بسهولة، تحتاج إلى سلسلة طويلة من التطمينات حتى يتفهموا ما تريد قوله، لأن عندهم حساسية مفرطة من النقد، ولا سيما أن هناك سلفية حزبية ترى أن السكوت عن الأخطاء هو شرط قبول، وأن النقد يعني المفاصلة، ولا بد من أن تستعد لمواجهة صنوفاً كثيرة من الإقصاء والتحريض والفتك المعرفي والبغي الأخلاقي. ولكن في نهاية المطاف سوف يعرفون أن من ينتقدهم من الداخل يقدم لهم خدمة كبيرة في ترميم الأخطاء والسلوك الذي انتقل ليكون قيماً بعد أن كانت انحرافات تساكتوا عنها فتحولت إلى قيم تورطوا في نتائجها ومآلاتها. بالنسبة إلى الشيخ سلمان، فأنا أحترمه وأقدره لسابقته وعلمه وعقله، وأرى أنه يقدم أنموذجا دعوياً سلفياً استطاع في هذه المرحلة الحرجة أن يرمم الأخطاء، وأن يقدم الأنموذج الدعوي المتسامح والذي يقدم الرؤية المعتدلة والوسطية. ولكني لا أعتبر أن الشيخ سلمان قد تشكل عنده منهج له أصوله في النظر والمعرفة والرؤية الفكرية، لأن هذا يحتاج إلى تأليف وجهد معرفي وهذا ما لم يفعله الشيخ سلمان حفظه الله إلى الآن، فأنا أرى أن الشيخ مصلح اجتماعي يحمل هماً دعوياً، ورؤية نهضوية وحضارية إسلامية ستسهم إن شاء الله في بناء تصور جديد في كيفية التعاطي مع المشكلات الواقعية من رؤية إسلامية متزنة وهادئة. ومع إعجابي بالشيخ سلمان فهو لم يسلم كذلك من قلمي، حيث كتبت فيه رؤية نقدية خاصة، أشعر بأن فيها قسوة، وكان من جميل خلقه وحسن ذاته أنه تقبلها بصدر رحب، وشكرني عليها. أما نقد «القاعدة» فأعتبر أنه من فروض الكفايات الكبرى والتي لا يسع أي عاقل من العقلاء إلا انتقاد منهجها لضررها على الدين والدنيا، فهي تتعدى الإطار الفكري والفقهي والعقدي إلى التعدي على الناس وضروراتهم وحياتهم، وتربي الشباب على منازع الغلو والشطط في الأقوال والأفعال والتصورات، سواء «القاعدة» المتحركة، أو «القاعدة» النائمة التي تفرخ أناساً لا يختلفون عن أولئك إلا أنهم لا يفجّرون ولا يختفون. هل نستطيع القول بأننا نعيش صراعا فكرياً لكن في أجواء مشحونة؟ - المنعطف الذي يمر فيه الواقع ليس في السعودية فحسب، بل في الشرق الأوسط كله، وتضاعيف ال 11 من سبتمبر وما تبعها من أحداث أذكت هذا الصراع الفكري، وهو بلا شك جو مشحون جداً، لأننا لا نزال في فترة المراهقة في طريقة تعاطينا مع مشكلنا السياسي والثقافي والاجتماعي والقيمي. القطيعة بين أفراد المجتمع لأجل فكرة.. أليست إرهاب من نوع جديد؟ - أعتقد بأن من المشكلات الكبرى التي لم يسلم منها إلا القليل هو عدم الفصل بين الخلاف الفكري والخلاف الشعوري، فقد تربى الكثير على «المفاصلة» الشعورية عند حدوث أي صراع فكري، لأن المجتمع في الغالب كان يسير على نمطية معينة في الأفكار والاختلافات قليلة باعتبار توحد المرجعية في زمن مضى، وأما الآن مع انتشار الأفكار والرؤى والانفتاح الإعلامي، والاتصال الفضائي طرأ هذا الطارئ الجديد والذي يحتاج إلى وقت حتى ينضج الناس في فهمه والهدوء في التعاطي معه بدلاً من المفاصلات والإرهاب الفكري الذي يصر على قبولك شعورياً شريطة موافقته فكرياً. الصراع الفكري لماذا هو في أشده في بلادنا عن بقية دول الخليج؟ - المقارنة بين السعودية وبين أي دولة من دول الخليج هي مقارنة غير عادلة، لأن السعودية هي رائدة في المنطقة كلها، سواء بالحركة العلمية، أم العدد البشري، أم التنوع الثقافي هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن السعودية لا تقارن بغيرها من دول الخليج من حيث الامتداد الدعوي والفكري الخارجي، فالحركة العلمية والدعوية داخل السعودية مؤثرة بشكل مباشر ومتفاعلة مع ما يحدث في الخارج، وهذا بلا شك ينعكس على الوضع الداخلي. الفكر المؤدي للعنف.. هل عجزنا في قراءة إرهاصاته مبكراً؟ - استشراف ما قد يحصل في المستقبل ليس بالأمر الهين، وإن كان بعض العقلاء يصرخون محذّرين مما قد يقع، ولكن الناس لا يستفيقون إلا بعد أن يقع الفأس بالرأس، كما يقولون، فمهما بلغت الحيطة فإن الجزم بحدوث أمر وعدم حدوثه يحتاج إلى مراكز دراسات متعمقة في دراسة الواقع وتوقعات المستقبل، وهذا أمر نحن ضعفاء فيه بدرجة كبيرة، ولا سيما أن الضخ العاطفي والطرح الشعبي وانسياق الدعاة وراء الجماهير. وكأن الواحد منهم يقول للناس: (أنا قائدكم فدلوني الطريق)، وتغييب العقل الناقد، وثنائية الشيخ والتلميذ والملقي والمتلقي كلها عوامل تجعل التأمل والنظر في طبيعة الخطاب ومآلاته غائباً في هذا الجو الملتهب والذي يغوص في الأحداث السياسية، ويهتم بتجييش العواطف وإلهابها، ثم يكتشف هؤلاء أن الكلمة التي يقولها في مجلس مغلق أو محاضرة مكشوفة قد آتت أكلها في وعي وعقول هؤلاء الشباب وشكلت لهم رؤية غالية، ومنهجاً انتقامياً، وللأسف فإن هذا المنهج الخاطئ لا يزال قائماً، وكأننا لم نعتبر من صروف الزمان وما جرى من أحداث. الهيبة الدينية و«المعوقات» الهيبة الدينية أليست عائقا أمام الحوار في قضايا كبرى؟ - بلا شك فإن الدين هو مكوّن أساسي في وعي المجتمع، وله من الاحترام والتقدير ما يجعل الخوض في مسائله هو من الخطوط الحمراء التي لا يسع كل واحد الخوض فيها، فالدين أحد أركان الهوية للوطن، وهذا أمر حسن، فهذه الهيبة هي ضرورية للحفاظ على هذا المكون المهم. إلا أن المشكلة هي في تحديد الحدود الفاصلة بين ما يجوز نقاشه وما لا يجوز نقاشه في القضايا الكبرى، فإن الناس بين طرفي نقيض، فمنهم من يرى أن مناقشة أي قضية فقهية أو اجتهادية أو خلافية هو تعد على الدين ومسائله، من دون التفريق بين ما هو دين محض ومورد قطعي لا يجوز الخوض فيه، وبين المسائل الاجتهادية والآراء الفقهية التي هي مجال للاختلاف والنقاش، وفي مقابل هؤلاء هناك من يتجرأ ليجعل كل قضية دينية مسلمة وقطعية قابلة للنقاش والجدل والتعديل، وأكثر ما يشكل هو في أخذ الأمور بالإفراط أو التفريط، والرؤية الوسطية هي الحل في مثل هذه المسائل. هل «النص» يفوق صاحبه ذكاءً؟ ومن ينهي النص؟ ومتى تراه أفلت من قبضتك؟ ومتى تقبل فكرة التخلّي عنه؟ - النص هو مجال تداول كبير وتاريخي، وأعظم الدراسات القديمة والمعاصرة هي في رسم منهجية التعاطي مع «النص»، وكل المدارس التاريخية والسياقية والبنيوية والتفكيكية والتأويلية تقوم على هذه المادة الخام وهو النص، فالنص هو التراث، وهو التاريخ وهو الحياة، فالحياة كلها نص مفتوح يحتاج إلى قارئ حذق ليكتشف أغواره ويكسف أسراره، وللنص حفريات وتراكمات، وطبقات تحتاج لنظرات بانورامية حتى يفهم ويستوعب. وكان من الإبداع الإسلامي المبهر رسم منهجية التعاطي مع النص التي استوعبت جميع الرؤى والمناهج التي تعني بقراءة النص، ف(أصول الفقه) الإسلامي الذي بناه علماء المسلمون عبر التاريخ ابتداء بالرسالة للإمام الشافعي يغني عن الكثير من المناهج، ويحتاج إلى عقل إبداعي إسلامي يخرج به من فهم «النص الشرعي» فقط إلى أن يكون منهجاً للقراءة في كل ميدان، لأنه لم يغفل في بنائه المؤلف ولا التاريخ ولا البنى الاجتماعية ولا اللغة ولا الجزئي ولا الكلي، ويستطيع أن يميز بين الحمى المباح وغير المباح في قراءة النص. من يريد أن يتخلى عن النص فهو يريد أن يتخلى عن الحياة، فهو السنة المرقومة والتي تجعل العقل البشري والتاريخ بين يديك تقلبها كيفما تشاء. يشعر البعض أن التعالي عندك حق مكتسب! لكنك ترفضه من غيرك... ما رأيك؟ - نستطيع أن نقول عن الآخرين ما نشاء، إنما القيمة الحقيقة هي في التدليل على هذا، وقد استمرأ الكثير التهم المعلبة التي يقصد منها صرف الأنظار عن الشخص حين لا يكون هناك قدرة على نقض فكرته، فيلجأ إلى «الشخصنة» وضرب صورة نمطية عنه ليحدث بذلك تداعياً شرطياً نفسياً بين المُلقِي والمتلقي، فيكون ذلك حاجزاً بين قبول قول القائل، وهذه من حيل الخصوم التي لا تنقضي! «العقل» تراه موصلاً لما تراه أنت فحسب.. فماذا ترى فيمن يرى ما لا ترى؟ - فهو ما دام يوصل لقناعاتك فهو عقل، وإلا فهو سقط مع غيرك؟ العقل منة الله العظيمة على عباده، وهو مناط التكليف، وشرط للفهم، والذي أحدث الخلط في مسألة العقل عند الكثير هو الخلط بين مستويين منه (العقل الغريزي الفطري) والذي تتفق أهل العقول عليه، وهو أشبه بالعقل الرياضي الحتمي، و(العقل المكتسب) أو بتعبير لالاند (العقل المكوِن) بكسر الواو، وهو الذي يحصل نتيجة تفاعل الإنسان مع الواقع والخبرات المكتسبة، وهذا هو مورد «الظن». وتحدث المشكلة حين يرقي البعض كل مسائله العقلية لتكون على المستوى الأول لا المستوى الثاني، ثم يحكم على رؤاه وتصوراته بالقطعية التي لا تقبل الجدل، وكان جزءاً كبيراً مما كتبت هو في بيان التفريق بين مواطن القطع واليقين وموارد الظن سواء في الدليل العقلي أو في الدليل النقلي. كثيراً ما تحشد أسماء مفكرين قدماء ومحدثين... هل التصور عندك لا يتم من دون استناد على آخر؟ - طبيعة المعرفة الإنسانية أنها معرفة تراكمية يأخذ اللاحق من السابق ويؤسس عليه، والسياق الفلسفي التاريخي هو تراكمي بطبعه، والبناء الفقهي والأصولي هو بناء تراكمي، وعليه فلا عيب من الاتكاء على أسماء العلماء والمفكرين ونسبة الأقوال عليهم وبخاصة فيما يدعم الفكرة الحديثة والتي تحشد لها ما يؤيدها من الدلائل. محمد الرجل الليبرالي الأول ماذا تقول في من يرى محمداً الرجل الليبرالي الأول... رجل الحرية الأول؟ - أي لفظ له حمولة فكرية وثقافية هو لفظ مشكل إن نزع من سياقه وتاريخه، ومن ذلك لفظ الليبرالية الذي ليست مرادفاً عندي للحرية أبداً، بل هي مذهب له رؤيته الشمولية التي تتجاوز النزعة الفطرية (الحرية) عند الناس، فالمشترك البشري في الحرية ظاهر، إنما الاختلاف في التأسيس الفسلفي لمبدأ الحرية والذي صيغ في الغرب بناء على واقع له ظروفه الخاصة وعلى عقلية وضعية يصعب ترحيلها وأقلمتها وإسقاطها على التراث الإسلامي. وعليه فإن كنا نقصد هنا ب (الليبرالية) معنى تحرير الإنسان من العبوديات إلى عبودية الواحد القهار، فهذا هو القدح المعلى الذي ناله محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كنا نقصد ب(الليبرالية) المذهب الغربي الذي له أصوله، فإن هذا يخالف منهج النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من تصوراته وفكره. هل تنحو إلى ظاهر النص أم أنك تستلب دواخله؟ وما آليات القراءة لديك؟ - بالنسبة إلى النص الشرعي فإن له آلية ظاهرة تشكلت بالعقل الفقهي الإسلامي عبر التاريخ، وله قواعده الخاصة التي لا يجوز تجاوزها في قراءته وكشف معانيه وتأويله، وكل منهجية أجنبية تسقط على نص له سياقه وخصوصيته سوف تؤثر في فهمه، ولا بأس من استخدام المنهجيات البشرية في القراءة، شريطة أن لا تعارض أصول وقواعد النظر الشرعي للنص، ومن ذلك عرض هذه المناهج البشرية المعاصرة على أنها أدوات حتمية لقراءة النصوص لا يصح قراءته بغيرها، وهذه المناهج هي معطى بشري مثل أي معطى لا يحكم عليه بالرفض المطلق ولا بالقبول المطلق، والحكمة هي ضالة المؤمن. الإسلام جاء داعياً بإزالة القداسة عن كثير من الأمور... لم تصر على تقديس نصوصٍ بعيداً عن جو الحرية العلمية؟ ولم هالة التقديس عندك لا تمس؟ - هذه النصوص إن كانت نصوصاً شرعية فإضافتها إلى المشرع هو الذي يضفي عليها هذه القدسية، ولا يعني قدسية النص ووروده عن الشارع تقديس إفهام الناس له، لأن هذا يخضع إلى تحديد درجة الدلالة من النص، وهنا لا بد من التمييز بين مستويات الدلالة في كل نص حتى نفهم درجة قدسية هذا الفهم. ما دام الإسلام دين العقل فلم ننحيه عن نصوص بعينها ولا نقبل إدارة النظر فيها؟ - أعتقد بأن أهل السنة لم يحيدوا العقل في النظر في أي نص من النصوص، وإنما الإشكالية تكمن في حدود عمله، فكما أن العقل ينتابه قصور في النظر الكوني والسنني، فهو كذلك ينتابه قصور في قراءة النص الشرعي، والخلاف دائماً بين أهل السنة وخصومهم في حدود عمل العقل. أي أمرٍ تستند إليه في وسمك لمعرفك في «الإنترنت» ب «دكتور استفهام»؟! وهل هو توسّل للنهج العلمي وفرض النزعة العقلية وافتراض الفوقية قبل الرد؟ - «الإنترنت» لها طبيعة خاصة، وهذا الاسم المستعار له قصة طويلة، وربما تكون كثيراً من الأمور الجادة نتيجة لحظة عبثية أو مزحة عابرة، وهذا هو سر معرف «دكتور استفهام»، فقد كان اسماً مستعاراً يدردش في غرف الجهاديين والشيعة، وحين طلبوا مني النزول للمنتديات لمناقشتهم فيما كنت أنتقدهم في غرف البال توك اضطررت إلى كتابة الاسم حتى تتم المعرفة، ثم التصقت به ولم أستطع الانفكاك ولعله يكون قريباً! لماذا تختنق بالكتابة الصحافية وتكون حراً طليقاً بالكتابة الإلكترونية؟ - الكتابة «الإلكترونية» لها طبيعة متفردة، فهي تتيح لك دمج الفكرة الجادة ببعض الألفاظ الدارجة، والشعور بمساحة الحرية الكبيرة التي تحسها حين الكتابة في «الإنترنت» تعطي للقلم انطلاقاً، بينما تشعر بأن الكتابة الصحافية محاطة بهالة من الضوابط التي تنعكس شعورياً على أداء القلم حين كتابة مقال صحافي. هل أنت بارع في معرفة ما يودُّ الناس أن يسمعوه؟ هل ترى هذا من دعائم الداعية المؤصَّل؟ - أذكر مرة أني قمت فتحدثت في مسجد بأحد البوادي القريبة من الرياض، فلما انتهيت التفت إلي أحد الدعاة والزملاء المشايخ وقال: لم يبق إلا أن تحدثهم عن البيلوتاريا وفلسفة إنكليز، في إشارة منه إلى أنك «فاشل» في الخطاب العام الاجتماعي. لماذا النشاط الإسلامي الحكومي أقل أثراً من غير الحكومي؟ - لأن هناك في غير الحكومي بعداً احتسابياً يضاعف العمل ويثريه. لماذا سقط بعض العلماء والمشايخ في فخ الإعلام الجديد؟ - خروج العلماء والمشايخ في الإعلام ليس سقوطاً بحد ذاته، إنما السقوط الحقيقي أن يتوجه الداعية والعالم من كونه يحمل رسالة سامية وإصلاحية إلى أن يبدأ يتاجر في الدعوة، ويتحول الهم الدعوي إلى هم خاص. «الفضائيات»... هل زادت الطين بله في خطابنا الدعوي والفكري؟ - بلا شك، فالخطاب التسطيحي الذي لا يبني فكراً ولا وعياً ولا نهضة هو الغالب في القنوات الفضائية، وذلك لاختلال شرط التأهل الدعوي لدى الكثير ممن يخاطب الناس عبر هذه القنوات، فزخم الحضور وكاريزما الشخصية يفوق بمراحل كثيرة قيمة ما يقدمه هؤلاء للآخرين. *** السيرة الذاتية بدر بن سليمان بن عامر آل عامر وُلد في مدينة ضباء عام 1389 ه حين كان والده رحمه الله يعمل في الدعوة فيها من الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله. الشهادات العلمية - درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم في مدينة حائل. - درس البكالوريوس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين في جامعة الإمام في الرياض وتخرجت منها عام 1414 ه. - درس الدبلوم العالي في التربية وحصل عليه من كلية العلوم الاجتماعية في الرياض. - حصل على درجة الماجستير من كلية الشريعة في جامعة الإمام بالرياض وكانت أطروحته في الماجستير بعنوان (مناهج الاتجاه العقلي الغربي في العصر الحديث وأثرها في الاتجاه العقلي الغربي في قراءة النصوص الشرعية - دراسة نقدية)... وهو الان يدرس الدكتوراه. الخبرات العملية - عضو للدعوة والإرشاد في وزارة الشؤون الإسلامية في منطقة الرياض - مدير موقع حملة السكينة لتعزيز الوسطية ومناقشة أفكار الغلو. - عضو المجلس التأسيسي العالمي للإعلام الإسلامي. - دخلت في مجال «الإنترنت» والكتابة فيه في عام 1419 ه. - متزوج.. وعندي أربعة أبناء وأربع بنات.