الذي يحول بينه وبين النجاح، كهوف على مستوى الأفراد والأسر كالكسل والتواكل وإهمال التربية والقيم والسلوك، وكهوف على مستوى الدول كالفساد أهم عوامل تدمير الاقتصاد وإهمال التعليم والصحة والخدمات العامة.. تخيل أناساً يعيشون في كهف وجدوا فيه منذ الولادة ولم يعرفوا غيره ولم يخرجوا منه أبداً، لا يرون أمامهم سوى جدار الكهف، ويوجد خلفهم ضوء ساطع بحيث يعكس ظلهم على جدار الكهف أمامهم، يسمعون صدى أصواتهم فيظنونها من تلك الأشباح التي ترتسم على جدار الكهف، وينسجون من هذه الصور قصصاً يتوارثونها بينهم وكأنها لأشخاص حقيقيين يعيشون بينهم، ولم يعلموا أنه يوجد ممر طويل خلفهم يقود إلى الخارج، وذات مرة تحرر أحدهم من ذلك الوضع وفكر في مصدر النور وقاده الممر الذي يأتي منه النور إلى الخارج حيث وجد المزيد من الأنوار، ورغم أن عينيه لم تعتد على النور الحقيقي إلا أنه واصل المسير واكتشف العالم الخارجي وعرف السبب الحقيقي لتلك الأشباح والظلمة التي في الكهف فعاد ليخبر من فيه عن الحقيقة والظلام الذي يقبعون فيه وحدثهم عن العالم الخارجي وما به من أنوار وطلب منهم أن يتبعوه إلى الممر ومنه إلى خارج الكهف، لكنهم كذبوه وسخروا منه وتشاجروا معه وقرروا قتله حتى لا يسمم بأفكاره الشاذة ما يؤمنون به. هذا ملخص قصة الكهف التي وردت في كتاب الجمهورية لأفلاطون ووردت في كتاب حوارات حضارية للدكتور جيل كارول. قصة الكهف تبين بكل وضوح خوف الناس من كل جديد، وقلة من يفكر ويبحث عن الحقيقة، ورضا الأكثرية بالوضع الذي وجدت نفسها فيه، وصعوبة نقد الأفكار السائدة، والرضا بالعيش على إرث الماضي وعدم الرغبة في التغيير حتى وإن كان العيش في كهف مظلم والأنوار على مسافة قريبة من المكان. والغالبية لهم كهوفهم التي ورثوها من آبائهم ومن ثقافة مجتمع له أفكار وعادات غير صحيحة وبعضها مضر ومدمر للصحة، حتى بين من حصلوا على أعلى الشهادات، ويزداد الانغلاق والتقوقع مع شح مصادر المعرفة، وقوة البرمجة في الطفولة، ونظام التعليم السائد في البلد. والكهوف المظلمة لا تنطبق على الأشخاص فقط، لكنها تنطبق على الدول أيضاً، وكما نرى فمن وصل إلى نادي الدول المتقدمة حيث أنوار العلم والحرية وحقوق الإنسان والرخاء الاقتصادي قليل جداً مقارنة بالغالبية العظمى من بقية دول العالم التي تعيش في حروب طائفية وأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية، ويرى قادتها أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان.. ولهذا أرى أن أهم الخطوات للخروج من تلك الكهوف المظلمة هو الاعتراف بوجودها والسماح بنقدها.. ومما يساعد على ذلك ما يلي: أولاً: العامل المؤثر والمهم لنجاح التغيير هو القيادة، ومن يتتبع تاريخ الدول التي خرجت من العالم النامي إلى العالم المتقدم يجد أنها وفقت بقيادة جمعت بين وضوح الرؤية والنزاهة وحسن اختيار القادة والمستشارين، ووجود برامج علمية لحسن اختيار وإعداد قادة المستقبل، ومن أهم ما يميز القيادة الناجحة وجود مؤسسات قوية تتمتع بالاستقلالية والتعاون فيما بينها، وأفضل القرارات هي تلك التي تتخذ بشكل جماعي وبعد دراستها من أصحاب الاختصاص والخبرة، واستخدام الطرق العلمية، وعدم اللجوء إلى الطرق المختصرة. والبداية الصحيحة هو ما تقوم به قيادة المملكة من تحول أساسه المواطن وحسن تعليمه وتدريبه وصقل مواهبه وجعله محور التنمية. ثانياً: لا يخرج الإنسان من كهفه المظلم سوى التعليم الذي يهتم بالنشء وينمي أهم مصادر قوته، فينمي عقله بطرح الأسئلة أكثر من إعطائه المعلومة أو الأجوبة، ويجعل المرح يصاحب أغلب الأنشطة المدرسية لجذب انتباه الطالب وإشراكه وتحبيبه بالمدرسة، والاهتمام ببناء جسم قوي يمده بالصحة والأمل، ولا يتم ذلك إلا بوجود معلم ومعلمة تم اختيارهما وإعدادهما بطرق علمية ولم يأتيا إلى التعليم بحثاً عن الوظيفة فقط، فالتعليم أسمى من أن يجعل حلاً لمعضلة البطالة. إصلاح التعليم عملية مستمرة لا تتوقف، وكما نردد دائماً أن الحكمة ضالة المؤمن فعلينا أن نستفيد من خبرات الدول التي نجحت في الخروج من نفق التخلف بفضل تعليمها المتقدم. لكل منا كهفه الذي يحول بينه وبين النجاح، كهوف على مستوى الأفراد والأسر كالكسل والتواكل وإهمال التربية والقيم والسلوك، وكهوف على مستوى الدول كالفساد أهم عوامل تدمير الاقتصاد وإهمال التعليم والصحة والخدمات العامة.