الجغرافية الدينية، أو فقه المكان الجغرافي، تمثل في واقعها محاولة بعضهم ربط الأحكام الفقهية بالمجال أو النطاق الجغرافي، وهذا الفقه منتج لمرحلة الضعف في الفكر الإسلامي الذي مرت به الأمة الإسلامية في القرون الوسطى، واستمر إلى يومنا هذا للأسف. وبتحليله بشكل بسيط نجد أنه ينطلق من فكر منغلق وغير مدرك لأبعاد الإسلام ومناطق قوة الإسلام في ديمومته الزمانية وهي خاصة منحها الله للدين الإسلامي وجاء باب الاجتهاد المستند على القرآن والسنة النبوية آلية لتحقيق تلك الديمومة. فأصل التحليل أو التحريم في الإسلام مرتبط بالمصلحة أو الضرر، وليس مرتبطا بالمكان أو جغرافية صدور الحكم، وهنا أقصد التحليل والتحريم، وليس المستحب والمكروه. إشكالية بعضنا أنه يصدر الأحكام الفقهية وفق إطارها الجغرافي وخاصة في بلادنا، شخصيا لا ألوم مغنية أفتت بتحريم القيادة للنساء السعوديات وحجتها أنها بلاد الحرمين الشريفين فيما هي تغني وبمبالغ طائلة ومع فرقتها الموسيقية الرجالية لنساء بلاد الحرمين الشريفين..؟ لأن ما قالته جزء من ثقافة الفن ومتعاطيه بالبحث عن الإثارة والضوء الإعلامي بكل الطرق والأساليب، ولكن لا أجد ذلك مقبولا ممن يمثل رمزا في منظومة العلماء للمعرفة الشرعية. من جانب آخر اتساع قاعدة أعداد المفتين في فضائنا العام بات أمرا غير موضوعي بل إن ضرره أكثر من نفعه حيث إن بعض الفتاوى تخضع لرؤى فردية خاصة وتتأثر بأعراف والأخطر أحيانا تسييسها، علما أنه من الناحية النظامية يعارض الأمر الملكي الذي حصر الإفتاء في هيئة كبار العلماء فقط. قوة الإسلام في داخله ومكونه وعمقه التاريخي وديمومته إلى يوم القيامة، وقدرة المفكر الإسلامي على استيعاب المتغيرات المعاصرة تعكس قوة البناء العلمي واتساعه مع قدرة على بناء الأحكام دون أن يمس ثوابت الدين أو أن يخضع لتأثير الجماهير. ديمومة القوة للإسلام تأتي من عدة جوانب فالله عز وجل أكد في غير آية إعمال العقل والتدبر ومنح الإنسان وهو خليفته في الأرض العقل لتحقيق بناء وإعمار الأرض، أيضا فتح باب الاجتهاد للعلماء المتمكنين لإصدار الأحكام الفقهية لاستيعاب المتغيرات دون إخلال بثوابت الدين والمعروفة بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية المتفق عليها أو الصحيحة، فرفض الجديد من العلوم المفيدة للإنسانية والتي تتفق مع الإسلام من شأنه أن يعطل الأمة وهذا ما لمسناه على مدى قرون حيث انغلقت المجتمعات الإسلامية على نفسها لأسباب مختلفة، ونتج عنه تخلف المسلمين وانطلاق الحضارة الغربية التي تخلت عن البعد الروحي، واليوم فرصتنا لنشر الإسلام عالميا بشرط البعد عن تسييس الدين، من خلال الاهتمام بالجانب الأخلاقي والروحاني والإنساني في عمق الإسلام خاصة مع سيطرة الماديات في حضارة اليوم.