يعد الدكتور جعفر عبدالسلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية واحدا من ذوي الفكر والرأي الذي جمع بين أحكام الشرع والقانون، واعتبره الكثيرون من أعلام الفكر الإسلامي ورموز القانون، من خلال أبحاثه وآرائه وأفكاره استطاع التصدي للقضايا الفكرية، حيث تناولها بنظر دقيق ومعالجة رزينة، مجندا نفسه للدفاع عن قضايا الأمة. في هذه العجالة نقطف جزءا قليلا من آراء وأفكار الدكتور جعفر عبدالسلام الذي له مشاركات كثيرة في العديد من المؤتمرات العالمية، دفاعا بفكره عن قضايا الأمة، وبخاصة الأقليات المسلمة والتعليم الإسلامي الذي تضطلع به رابطة الجامعات الإسلامية. عن حفاظ الفكر الإسلامي على الأصول والتراث والتجديد والتطوير، يقول الدكتور جعفر عبدالسلام: إذا ما نظرنا إلى الفكر الإسلامي، فإننا نجده يخضع لنفس الأسس، فالفكر ظاهرة تشتمل على تراث الأمة والفلسفات المكونة له، والأسس التي يتخذ منها أصوله، وهي ظاهرة مرتبطة بكل مجتمع. ولما كان الدين الإسلامي هو آخر الأديان، ويقوم على أصول ومنطلقات ثابتة، فقد وجد في مجتمعات عديدة، يبلغ عدد من يعتنقون الإسلام، قرابة المليار ونصف أي حوالي خمس سكان العالم، وسوف نجد مساحة هذا الفكر واسعة، ولا يمكن أن يخرج عن القواعد التي تحكم كافة ظواهر الحياة، وأعني بها التطور والتجدد؛ لأن التجديد في فهم الدين والاجتهاد ضرورة للتأكيد على أن الإسلام دين صالح للتطبيق والتجديد والتطور؛ فهو يقوم في أحكامه على الحركة في إطار الثوابت. لقد عاش الإسلام الآن ما يقرب من خمسة عشر قرنا وكان أتباعه في البداية قلة، ولكن عددهم زاد الآن زيادة كبيرة، والتغيرات التي مرت بالحياة في هذه الحقبة من الزمن كثيرة وعميقة في نفس الوقت، ما يؤثر بشكل أو بآخر على الفكر الإسلامي. وللفكر الإسلامي مصادر يستمد منها أحكامه، وهي: القرآن الكريم والسنة النبوية ثم اجتهادات الفقهاء والمفكرين التي تستمد منها، كما أن هذا الفكر انطوى على مدارس فقهية وفلسفية ومعلوماتية عديدة لم تجمد في أي مرحلة من مراحل الزمن ولم تقف أبدا عند محطة من محطات التاريخ العديدة. ومع ذلك، فلا بد أن نعترف بأن الفكر الإسلامي قد اعتراه بعض صور القصور بفعل أسباب وظروف عديدة، ما جعل البعض يقول بإقفال باب الاجتهاد في الفقه الإسلامي لفترة طالت لبعض الوقت، وترتب عليها أن أصبح فقهنا وفكرنا شرحا على المتون تارة، وتكرارا للمكتوب في عصور سابقة تارة أخرى... وهكذا. ولكن المجتمعات الإسلامية بدأت تصحو وتستيقظ، وهذه الصحوة بدأت نتيجة لإعادة الدين إلى حياة المسلمين، وإن أخطأ البعض في الاجتهاد، ما أوجد أكثر من اتجاه في تحديد التجديد المطلوب. حقوق الإنسان وحول حقوق الإنسان في الإسلام ودوره في تحقيق الأمن الجماعي، يقول الدكتور جعفر عبدالسلام: للمسلمين نظريات متعددة في الإسلام تجسد كلها مفهوم حقوق الإنسان، وفي مقدمتها نظرية المقاصد في الإسلام، فمقاصد الشريعة التي يفرض الإسلام الحفاظ عليها خمسة وهي «النفس والدين والعقل والمال والعِرض»، وهي في الأساس جوهر نظرية حقوق الإنسان والتطبيق الديمقراطي المطلوب في أي عصر، فالإسلام بهذه النظرية وبترسيخه للعدالة بمفهومها الشامل ومبدأ الحريات كفل حقوق الإنسان بشكل كامل. ولا شك أن لفكرة المصلحة ارتباطها الوثيق بحقوق الإنسان وحرياته، إذ هي تقرر حقوقا واضحة تنبني على المصلحة، كما أنها تتيح المجال للتوسع في أي حقوق لم تتقرر في المصادر الأولية للتشريع الإسلامي، وفيما يتعلق بحماية حق الحياة في الإسلام مثلا، وهي رأس الحقوق التي يحميها لما فيها من مصلحة للناس، فهناك العديد من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية أوردت حق الحياة، كما أن العديد من الآيات والأحاديث شددت النكير على كل من يعتدي على هذا الحق، وهكذا يوجب الإسلام القصاص على كل من يعتدي على حق الحياة أو على حق الإنسان في سلامة جسده، وهناك من يعتبر القصاص على كل من يعتدي على حق الحياة أو على حق الإنسان في سلامة جسده، وهناك من يعتبر القصاص عقوبة قاسية، مع أننا إذا تعمقنا في الأمر لا نجده عقوبة، وإنما هي مقابلة للشر الذي وقع من بشر مثله، وهذا أمر ضروري لتحقيق الأمن الجماعي في المجتمع، ولقيام التجمع البشري بشكل عام، ولأهمية الحق في الحياة باعتباره رأس الحقوق نسوق هذه الأدلة على حمايته وعلى تشديد العقوبة عليه. الحوار العالمي وعن الحوار بين أتباع الأديان، أوضح الدكتور جعفر عبدالسلام: تفعيل الحوار بين أتباع الأديان ضرورة للقضاء على الكثير من مظاهر الصراعات التي تلعب فيها العقيدة الدينية دورا خطيرا في وقتنا الحاضر. ونظرية صدام الحضارات، التي قال بها صموئيل هنتنجتون وآخرون، وإقحام الحضارة الإسلامية في صراع مع الحضارة الغربية إنما هو أوهام لا أساس لها، مشيرا إلى أن الحوار الديني جزء لا يتجزأ من الحوار بين الحضارات حيث أنها قامت أساسا على قاعدة من الدين. الإسلام في رؤيته للحضارة يتجاوز ما هو خارج ذات الإنسان من أسباب التمدن والرفاهية لينفذ إلى جوانب الإنسان نفسه، لكي يرتقي بها فكرا وسلوكا ومعتقدا وعلاقات الإنسان بالآخرين، وهذا الجانب تفتقر إليه الحضارة الغربية. والتفاعل الحضاري ضرورة إنسانية لا بد منها لقيام الحضارات وتقدم الإنسان في كل ما من شأنه أن يأخذ بيد الإنسان ويشيع في المجتمعات الإنسانية السلام والأمن، وكلما استلهمت الحضارات ما هو مشترك بينها وإنساني تقدمت وازدهرت وانتشر السلام، فالنمو الحضاري إنما يعتمد على التجارب الحضارية الأخرى، وكلما ازدادت فرص الالتقاء والتفاعل بين الحضارات ازدادت فرص الحياة والنمو والاكتساب والتعليم. مقصد العدالة وحول تطبيق العدالة التي تؤدي إلى الاستقرار والإحساس بالأمن والأمان والطمأنينة على النفس والعرض والأهل والمال، قال الدكتور جعفر عبدالسلام: العدالة مقصد عام لكافة التشريعات التي يضعها الإنسان لحكم العلاقات الاجتماعية، وحكمة رئيسة تدور حولها مختلف القوانين، وأي قانون لا بد أن يعتمد على شيء من العدالة، ونجد أن أجهزة تطبيق القانون تسمى بأجهزة العدالة؛ فيقال عن المحاكم بأنها دور العدالة، ويقال وزير العدل، ولا يقال وزير القانون، وإذا كانت المحاكم تطبق القانون إلا أن هدفها هو تحقيق العدالة، ومن هنا فإن القانون ليس في النهاية إلا وسيلة لتحقيق العدالة، وإذا حدث أن التطبيق القانوني قد تجافى مع العدالة لسبب أو لآخر، فيجب أن يقوم القاضي بالتدخل لتخفيف وطأة الحكم القانوني، أو لتكملة النقص فيه، أو لطرحه في بعض الأحيان، ووضع الحل الذي يتفق مع العدالة. وفكرة العدالة تمارس دورا مهما في نشأة القاعدة القانونية وتطبيقها في مختلف الدول، إنها الفكرة التي كانت ولا تزال تحكم العلاقة بين المعتدي والمعتدى عليه، والآباء والأبناء، والحاكم والمحكوم... إلخ، وسبب سيطرة فكرة العدالة على النظام القانوني هو أنها تهدف إلى تحقيق المساواة التامة بين الناس، وإلى إقامة التعادل بين ما يأخذون وما يعطون. إنها الفكرة التي تقضي أن يحترم الشخص كلمته، وأن ينفذ عهده بحسن نية، وأن يبتعد عن الغش والخداع في التعامل مع الناس، وأن يعوض الغير عما يلحق به من ضرر ويقال عادة ولهذه الأسباب أن العدالة هي الأم التي ولدت القانون. وإذا كانت العدالة ليست مصدرا أصليا للتشريع في مختلف الدول، إلا أنها بلا أدنى شك مصدر مادي يسمح بأن تتولد عنه أسس مباشرة تدخل فيه، وهو ما يفعله المشرع العاقل عندما يستنبط قواعد قانونية من فكرة العدالة أو من الإحساس بها، فلا ريب في أن الإحساس بما هو عادل وما هو غير عادل لدى المشرع أو القاضي أو المتعاقدين يؤثر بجمعه على إنشاء وتطوير القواعد القانونية الداخلية والدولية على السواء. البعض يحدد عناصر صناعة القاعدة القانونية في مسائل ثلاث، هي السياسة والقانون والعدالة، ولكل عنصر من هذه العناصر دور تكثر فاعليته أو تقل بحسب ظروف الزمان والمكان الذي توجد فيه، ويتقابل القانون والعدالة في دائرتين مركزيتين، الأولى أكثر تحديدا من الثانية. ومع ذلك فإنه يتكون من مجموعهما كافة القواعد التي تحكم الروابط البشرية. وتلك الدوائر ليست منفصلة بحواجز لا يمكن تعديها، بل إن الفاصل بينها ليس محكما دائما وكثيرا ما يحدث التداخل بينهما، وذلك نتيجة الاختراق المتزايد للأفكار المعنوية في دائرة القانون، ويحدث ذلك بصفة خاصة في العصور المضطربة التي ليس للإسلام وجود بينها، عندما يموج ضمير الأفراد بأحاسيس وأفكار نبيلة تؤثر على سلوكها وتدفع قانونهم وفقا لذلك لأن يتغير ويساير النهج الأخلاقي العادل. الأقليات المسلمة وفي قضايا الأقلية المسلمة ومشكلاتها ووضع خارطة إسلامية لها، يقول الدكتور جعفر عبدالسلام: مشكلة الأقليات الإسلامية في غاية التعقيد، ولا يمكن أن تجد حلا موحدا بالنسبة لكل مشكلة، فمشكلات الأقليات الإسلامية في الفلبين أو في بورما مثلا تحتاج إلى حلول معينة من خلال الدولة والسيادة ودور المسلمين هناك، ونحن لا نستطيع التحرك بسهولة إلا بالنصح للأقليات المسلمة وكيف تتعامل مع المشكلات بنوع من التسامح وحسن النية وتقبل الحلول الدولية التي يمكن ألا تضر بالمسلمين بل ربما تسهم في حل المشكلة، ونحن لا نستطيع إلا الحل السلمى ووضع المشكلة في دائرة البحث العلمي واستخراج المبادئ الرئيسية التي يمكن أن تحل على أساسها، وهذا ما نفعله في كثير من مشكلات الأقليات ومشكلات العالم الإسلامي بشكل عام، فتحركنا محدود ورهن بأغراضنا الأساسية المتصلة بتعميق الدراسات الإسلامية وحث الجامعات أن تقدم حلولا تساهم في حل هذه المشكلات. ولا يمكن أن نضع خارطة إسلامية واحدة لكل الأقليات، ولكن ينبغي أن ننظر لظروف كل دولة على حدة، فالأقليات في بعض الدول الأوروبية تأخذ حقها وتعامل معاملة كريمة، ولكن لا بد أن تتضمن الخارطة تقوية أبناء الأقليات أولا دينيا. الصيام والوحدة وفي حديثه عن فوائد الصيام والحكمة من فرضه على المسلم ودوره في الوحدة الإسلامية بين أبناء الأمة، يقول الدكتور جعفر عبدالسلام: الصيام فرضه الله تعالى لمعنيين؛ الأول لأنه سر وعمل باطن لا يطلع عليه أحد إلا الله، ومن ثم فهو بعيد عن النفاق والرياء والشرك الأصغر، بل يتجلى فيه كمال الإخلاص لله رب العالمين، والثاني أنه قهر لعدو الله «الشيطان»، فالشيطان وسيلته الشهوات، والشهوات تقوى بالأكل والشرب، وما دامت أرض الشهوات خصبة، فالشياطين تتردد عليها، أما الصيام فيضعف الشهوات، ومن ثم يقضي على الشيطان. صيام رمضان يعني في جوهره إعلانا لمبدأ وحدة المسلمين في الصوم والفطور والعيد والتعود على النظام ودقة المواعيد، والبعد عن العشوائية، واحترام قيمة الوقت، وممارسة فن إدارته على أحسن وجه بما يمكن المسلمين من مواجهة تحديات جسام والتصدي لما يواجه الإسلام، وعلى المسلمين أن يكونوا مسرعين وصادقين في الرجوع إلى الله، ويحذروا مخالفته وعصيانه. وهناك فوائد جمة للصوم، ومن أهمها تربية الإرادة والضمير في نفوس الصائمين، وتعوديهم على الإحسان، وهو مراقبة الله سبحانه في كل الحركات والسكنات، وفي كل الأحوال والاهتمام بالعمل والإنتاج وبناء الوطن ورفعته والإحساس بالفقير بما يدفعه إلى العمل الصالح والاجتماعي، وكذلك البعد عن الرشوة والحرام والمفاسد طمعا في مرضاة الله وخوفا من عقابه، وكسر الشهوة، وحفظ الجوارح. وواجب المسلم في رمضان بأن يتوب وينوب ويرجع ويتضرع إلى الله عز وجل، وأن يصطلح فيه مع الله ويتقرب من جانبه بصالح الأعمال والأقوال، وأن يتحلى بالصبر والصدق والشكر والزهد والورع والمراقبة، وأن يطمح فيما عند الله، ويتحلى بكل الصفات والقيم والأخلاق الكريمة في هذا الشهر ليتدرب عليها وينميها طوال العام.