نعلم أن هناك أطرافاً وأشخاصاً داخل العراق لا يميلون للتقارب السعودي - العراقي ولا يحبذونه، وبوسعهم وضع العراقيل لتعطيله، كونهم يعتقدون أن هذا التقارب قد يمثل تهديداً للمصالح الإيرانية في العراق.. في أول زيارة لمسؤول سعودي رفيع المستوى منذ أن غزا صدام دولة الكويت -أي ما يزيد على 27 عاما- جاءت زيارة وزير الخارجية عادل الجبير لبغداد لتفتح صفحة جديدة بإعادة التقارب ما بين البلدين بعد فترة فتور وجفاء. هناك من يرى أنها مبادرة سعودية خالصة، في حين أن البعض الآخر يراها دعوة عراقية/ إيرانية، وهذه قراءة من ضمن قراءات سياسية عديدة ليست بالضرورة صحيحة.. ليس مهما البحث عن تلك الخلفيات والأسباب بقدر ما أن المهم هو كيفية الاستفادة من هكذا زيارة والبناء عليها لخدمة مصالح البلدين والشعبين؟ شكلت الزيارة انفراجة وتطورا إيجابيا على صعيد العلاقات، وتأتي كخطوة مهمة لتجاوز الماضي، بدليل أن الرياض أسمت سفيرها الجديد في بغداد. اتفق الطرفان على أن الإرهاب عدو مشترك للبلدين، وهو ما يتطلب التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات، ليس فقط في المواجهة مع تنظيم داعش، بل لمواجهة خطر الإرهاب بشموليته. السعودية والعراق ترتبطان بحدود طويلة تصل إلى 900 كلم، وهو ما يستدعي الحاجة إلى التعاون والمراقبة الدائمة لمنع أي نشاطات إجرامية، كعصابات وشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات ناهيك عن أجندة الجماعات المتطرفة، ولذا التعاون ما بين الرياضوبغداد في تقديري هو مطلب حتمي، وتعافي العراق ضرورة استراتيجية لاستقرار الإقليم. السعودية أشادت "بالانتصارات العسكرية على العصابات الإرهابية، مؤكدة دعمها للعراق في محاربة الإرهاب واستعدادها بإعادة الاستقرار في المناطق المحررة". هناك رغبة مشتركة في فتح معبر جميمة وزيادة حجم التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين وتشغيل الخطوط الجوية المباشرة بين البلدين. القراءة السياسية ترى أجواء من التفاؤل والارتياح، وقد تكون إرهاصات ربما لقرارات سياسية أكبر في المستقبل، فلن تقتصر فقط على التعاون الثنائي. ويبدو أن السياسة التي انتهجها العبادي بدأت تثمر عن نتائج بدليل إذابة الجليد ما بين البلدين، السعودية لن تألو جهدا في المساهمة بأي دور بناء وإيجابي يدفع باتجاه تعزيز المصالحة الوطنية. الزيارة تكمن أهميتها في إعادة ترميم ما أصاب العلاقة، وبمقدورهما تجاوز الأزمات متى ما توفرت الإرادة السياسية، ومع ذلك نقول إنه من حق بغداد أن تكون لها علاقات جيدة مع أي دولة، وهو حق مشروع وسيادي، لكن لا يجب أن يتم على حساب العلاقة مع دول الخليج. نعلم أن هناك أطرافا وأشخاصا داخل العراق لا يميلون للتقارب السعودي - العراقي ولا يحبذونه وبوسعهم وضع العراقيل لتعطيله، كونهم يعتقدون أن هذا التقارب قد يمثل تهديدا للمصالح الإيرانية في العراق. عندما يقول الجبير إن السعودية تقف على مسافة واحدة من الجميع فإن هذه رسالة سياسية إيجابية وبامتياز، ولكن هذا لا يعني أن الرياض تقبل بتهميش أي مكون من المكونات السياسية وفي مقدمتهم السنة ما يعني حاجة البلدين إلى تجاوز نقاط الاختلاف وبناء الثقة. العراق عانى ما بعد الانسحاب الأميركي؛ حيث لم تضع واشنطن آنذاك رؤية لعراق ما بعد صدام حيث استغلت بعض القوى ذلك الفراغ ما فتح الباب لتدخل قوى إقليمية لصالح أحزاب مدعومة منها. هذه القوى قامت بإخراج العراق من حضنه العربي؛ بل وعرقلت أي تقدم في علاقاته مع دول الخليج. ليس للمملكة مصلحة في العراق سوى استقراره وتحقيق تطلعات شعبه. الآمال معقودة على حكومة العبادي وبالعمل المؤسساتي في أن يصار إلى إلغاء سياسة الإقصاء الطائفي وعدم السماح لإيران من الهيمنة على القرار السياسي والتوقف عن دعم الأسد وترسيخ نظام سياسي غير طائفي وإلغاء الميليشيات فضلا عن ترسيخ تشكيل الجيش على أساس عقيدة وطنية جامعة. هذه نقاط رسوخ لمستقبل دولة تملك من المقومات ما يجعلها في الصدارة. دقة المرحلة تقتضي من العراقيين أن يُغلبوا مصلحة العراق على المصالح الفئوية، وأن يكون قراره مستقلا وليس مرهونا لأحد، وهو ما يعني الانفكاك من فلك المحور السوري الإيراني وتغيير اتجاه البوصلة باتجاه العرب.