بين الحين والآخر يظهر المسؤولون في مختلف إدارات اتحاد الكرة السعودي ويقدمون ما يزعمون أنه أهم الحلول لمشكلات الحكام السعوديين، وهو تحويلهم إلى حكام محترفين متفرغين للمهنة الأهم في اللعبة والتي تحدد مقدار وقيمة العدالة في مسابقات كرة القدم، الفكرة تبدو طموحة إذ من حق القائمين على الكرة السعودية التفكير بهذا المنطق أملاً بتطوير التحكيم السعودي وإبراز كوادر قادرة على إدارة أقوى وأهم مباريات كرة القدم على الصعيد المحلي وحتى على المستويين القاري والعالمي لكن مشروعاً كبيراً مثل يحتاج لدراسات متأنية ومعرفة تامة بتبعات الإقدام على هذه الخطوة ومدى الحاجة إليها فضلاً عن واقعيتها وإمكانية تطبيقها وعما إذا كان اتخاذ قرار كهذا كفيل بالقضاء على مشكلات السلك التحكيمي التي أصبحت تتفاقم موسماً بعد آخر. في الماضي كانت المسابقات السعودية قوية إلى درجة كبيرة ولا تقل عما هي عليه في الوقت الحاضر، ربما الاختلاف يكون في ردود الفعل العنيفة من قبل مسؤولي الأندية وردود الفعل هذه لم تعد مقتصرة على الأندية ذات النفوذ الإعلامي والجماهيري، إذ أصبحنا نشاهد تصريحات لمسؤولين في فرق الوسط والمؤخرة، مثل تصريحات المشرف على القادسية عبدالله بادغيش التي انتقد فيها أداء التحكيم في مواجهة فريقه الأخيرة أمام الأهلي في كأس خادم الحرمين الشريفين، بل حتى المهاجم البرازيلي بيسمارك فيريرا أكد أن الاختلاف بين المواجهتين اللتين جمعتا فريقه بالأهلي كانت النتيجة فيهما مختلفة نظراً لاختلاف التحكيم، إذ فاز القادسية بنتيجة 4-1 بحضور الحكم الأجنبي وخسر بوجود الحكم المحلي. الأمر يتجاوز ذلك إلى تصريحات خطيرة صدرت من رئيس التعاون محمد القاسم في أعقاب خسارة فريقه من أمام الاتحاد بنتيجة 1-2 وحديثه عن "ذمم" بعض الحكام، وهو الحديث المتلفز الذي وصفه كثيرون بالخطير. لسنا هنا بصدد مناقشة مثل هذه التصريحات وخطورتها وصحتها من عدمها أو الدفاع عن طرف ضد آخر، لكن كل ما يحدث يؤكد أن التحكيم السعودي يعيش أسوأ فتراته طوال تاريخه، إذ لم يعد أحد يثق بقدرة الحكام على قيادة المباريات بصورة جيدة، ولم تعد قرارات "أسياد الملاعب" ترضي أحداً، والمشكلة أن الأخطاء التي نشاهدها تحدث بالجملة في كل جولة ليست تقديرية أو غير مؤثرة، بل أخطاء لا يمكن أن يقع فيها حكم يدير مباريات في دوري للمحترفين. الأمر أكبر بكثير من الحديث عن احتراف الحكام وتفريغهم، فما يحدث الآن هو نتاج سنوات من العمل السيئ والأخطاء الكارثية التي ارتكبتها الجهة التي كانت تدير هذا المجال، والمقصود هنا لجنة الحكام السابقة التي كانت تتخبط وتحاول تصحيح الأخطاء بصورة ارتجالية عبر أساليب غريبة بدءاً باللقاءات الشهرية التي كانت مفتوحة أمام وسائل الإعلام لمناقشة أخطاء الحكام، وانتهاء بالزج بحكام صغار بالسن في مواجهات كبيرة تفوق قدراتهم القانونية وحتى الذهنية، فضلاً عن الاعتماد على أسماء جيدة بشكل مبالغ فيه حتى أصبحت مستهلكة وغير قادرة على التطور بسبب كثرة التكليف، حتى انتهى الأمر باتحاد الكرة الجديد بالموافقة على طلب الأندية برفع عدد الطواقم الأجنبية وهذه ضربة قاصمة لظهر التحكيم السعودي، لكنها في المقابل يمكن أن تكون بداية لترتيب الأوراق من جديد وتحت ضغوطات أقل من السابق. ما يحتاجه الحكم السعودي هو التعامل الإيجابي من اللجنة ودعمه وتوفير مطالبه ورفع مكافآته ودفعها بشكل مباشر، وأهم من ذلك العمل على تهيئة "قضاة الملاعب" ذهنياً ونفسياً للمباريات والعدالة في التكليفات وعدم التركيز على اسم أو اثنين، بجانب التطوير القانوني والبرامج التطبيقية، كل هذه الأمور يجب أن تتم مناقشتها قبل الحديث عن أحلام الاحتراف الوردية التي لن تكون أكثر من محاولة للهروب إلى الأمام ولن تجد من يؤمن بها حتى من الحكام أنفسهم الذين لن يتخلوا عن وظائفهم الرسمية من أجل العمل في بيئة غير إيجابية على الإطلاق.