لم يتمكن التعليق الرياضي في السعودية خصوصاً في الأعوام العشرة الماضية من تكريس اللغة الجميلة والمتابعة الحية وزيادة وعي المتابع وتثقيفه سواء في المعلومات تجاه اللاعبين والمدربين وتاريخ الأندية والمنتخبات وكل ما يخص المباريات والبطولات محلياً وخارجياً، إنما سجل تراجعاً مخيفاً بعد رحيل العمالقة زاهد قدسي وأكرم صالح وسليمان العيسى رحمهم الله واعتزال محمد رمضان ومحمد البكر وناصر الأحمد والأجيال المميزة، وهروب الأسماء الجديرة بالمتابعة إلى فضاء قنوات خارج الوطن والتي لاتنقل الدوري السعودي، وعلى الرغم من محاولات "التجميل" عبر القنوات الرياضية السعودية عندما كانت تنقل الدوري وحالياً عبر الناقل الرسمي واستقطاب بعض الأسماء التقليدية الا أنها لم تفلح، فاللغة ركيكة، والصراخ هو سيد الموقف وكأننا في "حراج الصواريخ"، حتى أن هناك من صار يخشى على لغة اطفاله وتقليدهم لبعض المعلقين في عدم اجادتهم للغة العربية ومخارج الحروف، وهناك من يتفلسف ظناً منه أن يتحدث اللغة العربية وفق أدواتها، الفتحة والكسرة والضمة والنصب والجر والتنوين والسكون، ولكنه يسجل فشلاً ذريعاً، فلا هو الذي اجاد اللغة العربية بادواتها الجميلة ومفرداتها الغزيرة ولا هو الذي يتحدث بالعامية حتى يفهمه شريحة كبيرة من الناس. في السابق يقول الكثير من عمالقة التعليق سواء الذين ابدعوا ورحلوا عن الدنيا أو الذين تألقوا واعتزلوا (كنا نخضع لاختبارات صعبة وحساب عسير ولفت نظر بعد المباريات لأننا لم نجد مخارج الحروف في كلمة معينة أو لم نلتزم ب"الستايل" الذي وضعته لجنة التعليق، حتى صرنا نركز على اللغة أكثر من متابعة أحداث المباراة". هنا الفرق بين من جاء للصراخ ودغدغة مشاعر الجماهير بعبارات يخلطها بين الفصحى والكلام العامي بحثاً عن ارضاء هذه الجماهير وردود الفعل بعد نهاية المباريات وإغداق المديح عليه. في الكثير من المباريات نجدها متوقفة أو مملة ورتيبه في اداء الفريقين فتسمع صراخ المعلق لمسافة بعيدة من الشاشة وكأن الإثارة بلغت قمتها، لماذا؟.. لأنه صار يعتمد على التهريج والصراخ أكثر من أي شيء آخر، يلج إلى كابينة التعليق وفي ذهنة ألقاب "الزعيم" و"العالمي" و"الراقي" و"الليث" و"فارس الدهناء" و"العميد" وألقاب أخرى، هذه النوعية لا يتعاطون ولا يمدحون الا لاعبين مشهورين حتى لو كانوا يجلسون على كرسي الاحتياط، المهم ذكرهم من أجل أن يلفت انظار الجماهير ولأن هؤلاء اللاعبين لديهم متابعون كثر في "تويتر". من الممكن أن ينتقد ذلك المعلق المهرج، أو زميله الذي يتباهى بصراخه حتى والمباراة متوقفة بعض الأندية وكذلك أخطاء التحكيم لصالحها أو ضدها ولكنه لايجرؤ على نقد أندية ولاعبين معينين لأنه يعرف أن "المنشن" في "تويتر" إذا كان لديه حساب ستنهمر عليه الردود بغزارة وسيتعرض للتوبيخ وربما ابعاده من القناة وقد تستجيب إذا كان النادي أقوى صوتاً والمسؤول عن الفضاء يتعاطف معه. اما المحللون فحدث ولا حرج ولا يميزهم الا لباسهم واناقتهم، ولو كان التحليل باللباس والاناقة لرأيناهم يحللون الدوري الاسباني والايطالي والألماني والإنجليزي وفي كأس العالم في اشهر القنوات الرياضية، ولكن اناقة الفكر والتحليل والفهم الرياضي لاترتقي إلى اناقة اللباس، حتى أنهم صاروا يتدخلون في قرارات الحكام وبعضهم يحتفل بالأهداف لصالح فرقهم وكأنهم في رابطة المشجعين بدلا من الاستوديو حتى اشتكى مسوؤلي بعض الأندية منهم. السؤال الصعب: متى يكون لدينا تعليق راق يجذب المتابع ويحيي المباريات بمعلوماته وثقافته ولغته واحترامه للمشاهد.. الاجابة ستحضر عندما يكون لدينا رياضة محترفة ومنضبطة في كل شيء.