الصور التي يتم التقاطها كل ساعتين تفوق -هذه الأيام- مجموع الصور التي التقطت في آخر قرنين.. فالجميع يحمل في جيبه هذه الأيام كاميرا تلتقط الحدث في لحظة وتبثه في لحظتين.. في عام 2016 قدر الخبراء أن 290 بليون صورة تم التقاطها بالهواتف الذكية ويتوقع تجاوزها حاجز 300 بليون هذا العام.. وهذا بدون شك تطور كمي مذهل لم يخطر على بال جوزيف نيبسي (المخترع الفرنسي الذي التقط أول صورة في التاريخ عام 1826).. كانت مجرد منظر من نافذة غرفته استغرق التقاطها النهار كله (كي يسمح للضوء بالتأثير على المواد الحساسة على سطح الصورة).. وحتى القرن العشرين لم يتغير الكثير، وظلت الكاميرات كبيرة، وثقيلة، وغالية الثمن.. كان التقاط صورة واحدة يتطلب ثبات الأشخاص أمامها لعدة ساعات (لدرجة كان المصورون يرفضون تصوير الأطفال.. ما لم يكونوا أمواتاً)!! أما اليوم فأصبحت هواتفنا تتضمن كاميرات مدمجة تلتقط الحدث خلال جزء من الثانية أصبحت سريعة ومتوفرة بحيث غدا ما يتم التقاطه كل ساعتين (في أيامنا هذه) يفوق كل الصور الملتقطة خلال المئة وتسعين عاماً الماضية.. وأبناء هذا الجيل لا يحتاجون لأرقام تؤكد انفجار الصورة.. فوالدي مثلا لا يملك صورا لوالده، أو والدته، أو حتى لنفسه في سن الطفولة.. أما أنا فأملك ثلاث صور من سن الطفولة، وعددا أكبر من سن المراهقة والشباب.. ولكن ابني ياسر (عشرة أعوام) له اليوم آلاف الصور في هواتفنا، وألبوماتنا، وحساباتنا الشخصية.. وحين يصبح في سني سيعثر على صور لا تحصى لكل مرحلة في حياته، وسيعثر في اليوتيوب وحسابات عائلته على مقاطع فيديو غير متوقعة.. هذا من جهة.. ومن جهة أخرى؛ ساهمت المواقع الإلكترونية المتخصصة (مثل أنستغرام والفيسبوك) في مراكمة الصور بطرق غير مسبوقة.. تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى أرشيف هائل يعيش طويلا ويتناسخ بلا نهاية.. موقع الفيسبوك وحده يتضمن حاليا 250 بليون صورة (يتوقع ارتفاعها إلى 900 بليون صورة عام 2025).. أما موقع الانستغرام فيتم تحميله يوميا ب60 مليون صورة، وهو ما يساوي 22 بليون صورة سنويا و220 بليون كل عشرة أعوام (وهذا في حال افترضنا استقرار معدل التحميل الحالية).. هذا التدفق الكثيف يؤكد أننا نعيش اليوم في عصر الصورة.. وثقافة الصورة.. وتأثير الصورة.. وطغيان الصورة على كافة المؤثرات الإعلامية الأخرى.. لم تعد الجماهير تهتم بالقراءة، والاطلاع، والإبداعات المكتوبة، بقدر اهتمامها بالصورة ولقطات الفيديو، ومقاطع السناب شات.. العيب ليس في جيل اليوم، بل في تركيبتنا العصبية والبصرية، التي تجعلنا نفضل الصورة على أي وسيلة تعبيرية أخرى.. نميل إليها بسبب مباشرتها، ومصداقيتها، وسهولة استيعابها، وقوة تأثيرها (فالصورة لا تكذب، والمشهد لا ينكر، وما نراه بالعين يتفوق على بقية الحواس)!! حتى وقت قريب كنا نقول "الصورة أقوى من ألف كلمة"، واليوم أصبحنا نتحدث عن بلايين الصور التي سحبت البساط من تحت آلاف الكتب.. لأول مرة في التاريخ تتراجع (الكلمات) كوسيلة مفضلة للتعبير لصالح "صور" تفجر في رؤوسنا مختلف التعابير.. وهذا أيها السادة ما أعنيه بانفجار الصورة..