استطاعت حرفيات تبوك ان يجارين العصر الحديث بتقنياته واجتياح الموضة، ببراعة منتوجاتهن الحرفية بشكل راق وبهوية تبوكية، تدل على ناتج حضارات قديمة رسخت ثقافتها بنقوشها ودلالات رسومها بصناعة المنطقة وخصوصا في زينة المرأة. نساء أبدعن في صنع صورة حية وواضحة عن الصناعات والحرف اليدوية، زين فيها بيوتهن، مثل الغزل والسدو، وصناعة الحلي والتطريز، وصناعة اللحف وبعض الأواني، وجمع الأعشاب وطريقة حفظها للتداوي بها، وكانت المرأة قديماً تفتخر بما تصنعه يداها وقال الشاعر يصف الزينة التي تصنعها المرأة: وركب الهجين اللي عليه الشدادِ ودويرعا والخرج بالشغل زادِ وعذار منقوشات بالعهن سادِ شغل الذي ما تعدى للمقفّي خطاه الدويرع والخرْج والعذار: من أدوات زينة الإبل وتقوم المرأة بصناعته ورغم جمال الإنتاج من المصنوعات الحرفية المعروضة في مهرجان تبوك الذي يعطي انطباعاً أنه جديد، إلا أن طابع الهوية التبوكية ما زال يحتفظ ببريقه وجماله، والذي حافظت عليه الحفيدات وبنفس روح الجدات في انتاجهن من الصناعات الحرفية، مع إضافة نكهة حضارية دلت على مقدرة نساء المنطقة على الاحتفاظ بهذا التراث وتطويره دون يفقد أن روح التراث، وبنفس الألوان المستعملة قديما، وبنفس التصاميم، وأبدعن بمزج روح ومتطلبات العصر الذي نعيشه والاختلافات التي طرأت عليه فقدمن ما يناسب العصر دون المساس بثقافة المنطقة أو هويتها، فاستطاع الإنتاج الحرفي من المصنوعات أن يحوز على إعجاب الجيل الجديد والتسابق على اقتناء القطع المختلفة منه. عبّرت الصناعات الحرفية ما كانت تتمتع به المرأة في المنطقة من حبها للزينة والتزين ما جعلها تبدع في صناعتها لنفسها والتي توارثته الحفيدات ورغم الفقر إلا أن الخرز والاحجار الكريمة، التي انتجتها بيئتها طوعت أناملها وتفكيرها لإنتاج ما أرضى غرورها الإنثوي فيه، وهذا ما وجدته في مهرجان تبوك من حرفيات قدمن خواتم عصرية تحمل بصمة الماضي ولم يكتفين بالعرض والبيع، بل قدمن نبذة تاريخية، تدل على وعي المرأة التبوكية لتاريخها الحضاري، وانه لابد من مسايرة العصر دون المساس بثقافة وهوية المنطقة وكانت صناعة الخواتم، والكثلة التي تشبه الميدالية وتضعها النساء على أطراف ملافعهن (الخمار) تتدلى للزينة وللرجال أيضا لاختلاف استعمالها كميدالية وزينة للركاب في الرسن وفي الخرج يقول الشاعر عن الكثلة. كثلة وفخرية وفيها مفاتيح في مسفع القمري عسى الله يهنيّه تميزت الجدات بروح العمل المستمر المثمر، وروح التعاون في الأعمال الحرفية، وفي حال الاجتماع النسوي كوقت الضحى أو في ليالي السمر والتي تعتبر قديماً لحظات للترفيه عن النفس، تجدها الجدات فرصة لإكمال أعمالهن بخاتم تصنعه من الخرز، أو حياكة ثوب، أو تطريز أو مساعدة صاحبة المكان بالسدو، وبعض الصناعات التي تحتاج لأكثر من شخص لإتمامه. أعطت منتجات الحرفيات في مهرجان تبوك للحرف، صورة تاريخية فيما مرت بها المنطقة، من ثقافات حضارية قديمة ومتنوعة، خصوصا وانها تقع على مركز تلاقي الطرق التجارية والدينية القديمة (طرق الحج القديمة) سكنت في غور نفوسهن، فأثرت على مخرجات منتجاتهن وصناعاتهن الحرفية، برسوم وألوان ونقوش لها دلالات وجدناها في منتجات الخواتم التي صممتها وصنعتها الحرفيات جمال التصميم، وحديث الماضي بشكل احترافي كبير. ولا شك أن براعة الإنتاج واتاحة الفرصة للحرف الوطنية، تشكل بعداً اقتصادياً للأسر المنتجة، كما تعطي صورة عن تأصل براعة الانتاج عند المرأة السعودية، والتعريف به عالميا، من خلال الزوار والسياح، بمشاركتها بتصاميم تخص هويتها السعودية، فيكون دافعاً لها للبروز عالمياً، في حال طورت انتاجها، ووجدت من يدعمها تجاريا، وتسويق الصناعات المحلية عالميا. في معرض الحرفيات في تبوك حكاية جدات صنعن الحياة، سيدات غزلن الصوف وانتجن منه السدو وشيدن البيوت، وصنعن الفرش والمخدات،الأغطية والطرّاحات، التي تزهو بألوان جميلة لونت الحياة حولهن، فحافظت عليها الحفيدات بلمسة جمال الحاضر، وجودة إخراج الجدات. حرفة يدوية «الغزل» من إنتاج الحرفيات