قبل أيام وضعت في تويتر مقطعاً لرجل هندي حكيم (يدعى بريم روات) يصنف الناس بحسب مهارتهم في ممارسة الأشياء.. كان المقطع صغيرا ومجتزءاً؛ ولكنه لفت انتباهي إلى تأثير ممارساتنا العاطفية على تصرفاتنا الشخصية.. فبعضنا مثلا تغلب عليه مشاعر القلق، والبعض الآخر مشاعر الغضب، والثالث كثرة الشكوى والتذمر حتى نصبح من كثرة ممارستها خبراء فيها.. فحين تمارس القلق بكثرة تصبح خبيرا فيه، لدرجة تقلق على أشياء بسيطة وتافهة لا تخطر على بال معظم الناس (كأن تقلق من احتمال موتك قبل زيارة أوروبا).. وحين تمارس الغضب بكثرة تصبح خبيرا فيه لدرجة تغضب من أشياء بسيطة وتافهة لا يهتم بها معظم الناس (كترك لمبة المطبخ مضاءة).. وحين تمارس عادة التشكي والتذمر تصبح خبيرا فيهما لدرجة لا يرضيك شيء ولا يعجبك إنسان ويصبح كل ما حولك خاطئا وقابلا للنقد.. وهذه النماذج تثبت أن ممارساتنا المستمرة تشكل -دون أن نشعر- تصرفاتنا ونظرتنا للحياة.. فإن كنت تمارس مشاعر سلبية كالغضب والقلق والتذمر سينعكس ذلك على تصرفاتك ونظرتك للحياة.. وتصبح كما قال إيليا أبو ماضي: والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلا وفي المقابل؛ إن كنت تمارس مشاعر إيجابية كالفرح والتسامح والتفاؤل سينعكس ذلك على تصرفاتك مع الناس ونظرتك للحياة (وتصبح أيقونه فرح وسعادة أينما حللت).. ورغم قصر المقطع (فهمت الفكرة) وتصورت شخصيات سلبية كثيرة يغلب عليها طابع النكد، والترصد، والتثبيط، والتشكيك، والتخوين، وتصيّد أخطاء الآخرين.. شخصيات تتجاوز ذاتها وتنشر في مجتمعها جوا من الكآبة والنكد واغتيال الفرح.. يتصيدون أخطاء المجتمع ويرون في كل تصرف طبيعي أو استثنائي (ظاهرة خطيرة) تؤكد وجهة نظرهم.. وتتفاقم الحالة لدى البعض لدرجة (لا يكفرون المجتمع فقط) بل ويكفرون أنفسهم وعائلاتهم، ولا يرون سوى الموت مخرجا له ولهم.. وهذا لوحده دليل على أن النظرة السوداوية يمكن أن تترسخ لدرجة تفصل الإنسان عن واقعه تماما.. ولكن الدنيا تظل دائما بخير، وحياة البشر (مهما حاولنا ضبطها) تظل لعباً ولهواً وزينة وتفاخراً.. لا يمكننا العيش كملائكة وبشر في الوقت نفسه -ومن كفّر أخاه فقد كفر.. مهما كان رأيك في الناس لا يمكنك فرض نظرتك السوداوية عليهم- وإذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم (كما جاء في الحديث الصحيح).. بدل أن تمارس عادة التذمر والتشكي وتصيّد أخطاء الناس.. وبدل أن تنشر عدوى الكآبة والنكد والمصائب الافتراضية، ابدأ من اليوم بممارسة عادة الفرح، والتفاؤل، والتسامح مع جميع الناس.. افعل ذلك كي لا تكون ممن قال عنهم إيليا أبو ماضي في القصيدة نفسها: هو عبء على الحياة ثقيل من يظن الحياة عبئا ثقيلا