ما أن أزور مدينة جدة حتى تخلتط في نفسي مشاعر الغبطة والقلق ، فأما الغبطة فلأنها جدة وهذا يكفي ..وأما القلق فلكثرة الحفر .. ولا أبالغ لو قلت بأن (عقالي ) لا يكاد يستقر على رأسي في عديد من الشوارع ، وللحقيقة..لم استغرب أن يظهر على (تويتر )قبل أيام (هاشتاق) باسم (حفرنا ) ليرصد هذه الظاهرة بالصور ، لكن وللأمانة فإن ظاهرة الحفر في الشوارع ليست امتيازاً على جدة وحدها ، فما من مدينة سعودية إلا وتشتكي من هذه الظاهرة ، وفي ظني أن المسألة غدت قدرنا ولم يعد في مقدورنا غير البدء حالاً في التكيف مع هذا المرض الشوارعي العضال ؛ تماماً كما يوصي الأطباء مرضاهم ليتكيفوا مع أمراضهم الميئوس من شفائها ، ليمارس المسؤول هوايات الظهور على الشاشات مرتلاً وعوده الزائفة..ولنتفرغ نحن لصحتنا ، ليسعى كل أحد منا للتكيف مع كل شارع يضطر عادة للسلوك معه ، يجب أن ننظر للأمور بمنظار ذي عدسة مقعرة ترينا الحفر في منتهى التفاهة والصغر ، ببساطة .. نتظاهر بالبله والغباء إن وجدت ما يغيظك في النهار ..تجاهل،وإن وجدت ما يسيئك في المساء..ضع رأسك على وسادة التطنيش ونم ،كبّر الوسادة حتى لا تصاب بتضخم المرارة والطحال ، ولا تنس أن تبتهل لله بالثناء والشكر كلما عدت سالماً معافى لوسادتك آمناً مطمئناً بقضاء الله وقدره .. والأهم كما تعلمون هو الأمان ، لا للجرائد .. لا للتصريحات ،اعلنها توبة واقلع من فورك عن قراءة كل ما يثير في رأسك ملكة التأمل ..خاصة ما يسمونه ( أسلوب المقارنة ) بين ما يقال وبين ما تراه بأم عينك ، أقلها حتى لا يصاب العقل بالهلوسة ، وحين تمضي للعمل تجنب أن تلتفت ذات اليمين وذات الشمال .. فإن اضطررت.. فلا تلتفت حتى تترنم في سرك بقصيدة إيليا أبو ماضي « كن جميلاً ترى الشارع جميلاً « .. كومة التراب تلك ..تخيلها مجسمات جمالية حتى وإن كانت في منتهى العبث والفوضى ، وحفر الطريق ..تصورها مزحة ( يا أخي مزحة ) الهدف منها مداعبتك وتسليتك إلى أن تصل من أو إلى العمل ، باختصار .. اصنع مبرراً سخيفاً لكل كارثة..تصبح الكارثة بالتالي سخيفة . صدقوني ..حفر الطريق أضحت من الأمور المعتادة .. ولم يعد يجدي معها سوى التغابي الذي يجنبنا التذمر .. وبالتالي الغضب .. وبالتالي ( أبو زعبل ) ، ثم تعالوا هنا ..ماذا جنينا من تذمرنا يوم أمس ويوم قبل أمس .. لا شيء .. الطرقات هي الطرقات .. والحفر هي الحفر..وكل ما تغير أننا اقتربنا من داء السكري والضغط أكثر وأكثر .. وأما بالنسبة لجدة ..فحبها في قلوبنا لن يتزعزع مهما شوهت جسدها كثرة الحفر. Twitter: ad_alshihiri