تناول الإسلام في أكثر من موضع مفاتيح الطمأنينة والسكينة في الحياة الزوجية من خلال عرضه للحقوق والواجبات التي تنظم خط سير الحياة الزوجية والتي تدعو كل طرف لأن يفي بحقوق شريكه ويؤدي ما عليه من واجبات لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وبذلك تتحقق السعادة الزوجية التي هي حق لكل منهما في جو من الاحترام المتبادل يتوازن فيه الأخذ مع العطاء. ولأن الحياة الزوجية تحتاج إلى قدر من الاستقرار والمرونة والتجانس والرومانسية فإن الزوجة المسلمة الصالحة تقوم بما عليها من واجبات تجاه زوجها وأولادها وهي راضية تبتغي في ذلك رضا ربها ثم رضا زوجها وتوفير أسباب السعادة لأولادها وقد أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». كما قال عليه الصلاة والسلام: «نساؤكم من أهل الجنة الودود التي إذا أوذيت أو آذت أتت زوجها حتى تضع يدها على كفه فتقول: لا أذوق غمضًا حتى ترضى». وتلك وصية أسماء بنت خارجة الفزاري لابنتها عند زواجها تنصحها بمشاركة الزوج في مشاعره فتقول لها: (إياك والفرح بين يديه إن كان مهتمًا والكآبة بين يديه إذا كان فرحًا). الزوجة النكدية ولكن ومع الابتعاد عن توجيهات ديننا الحنيف والنزول إلى أرض الواقع نجد الصورة أكثر قتامة، فغالبًا ما يعود الزوج إلى منزله ليجد زوجته تطارده بقائمة من المطالب التي لا تنتهي بدءًا من مصاريف البيت والإلحاح في زيادتها، ومرورًا بفواتير الغاز والكهرباء والتليفون ونهاية بالمدرسين الخصوصيين وتجهيز مستحقاتهم قبل نهاية الشهر الذي لم يمر على بدايته سوى أيام قلائل، وسواء تجاوب معها الزوج أو لم يتجاوب فإنها لا تكف عن الاستمرار في عرض مزيد من الطلبات وإحساس الزوج بالعجز عن الوفاء بها حتى تكون المحصلة النهائية نكداً في نكد، مردوده إما لسمات شخصية في الزوجة وحبها للنكد وإما وفاء منها بنصيحة والدتها قبل الزواج عندما همست في أذنها «قصصي طيرك ليلوف بغيرك» وسواء افترضنا حسن النية أو سوءها ففي الحالتين لا مفر من النكد ولهذا يرغمن الزوج للهروب خارج المنزل والخروج مع أصدقائه إلى المقاهي والاستراحات لشراء راحة البال. علامات الزوجة النكدية قال العرب قديمًا لا تتزوج من النساء سبعًا: الأنانة والمنانة والحنانة والشداقة والحداقة والبكاءة والنمامة، فهذه سبع صفات ذميمة، وهي نفس صفات الزوجة النكدية. فالأنانة هي الزوجة التي تئن كثيرًا من أوجاع جسيمة بسبب أو بدون ولا تبالي في إبداء تذمرها، والمنانة هي كثيرة المنِّ على زوجها غير معترفة بفضله، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء أن يجحدن فضل أزواجهن، فقال صلى الله عليه وسلم: (اطلعتُ في النار، فإذا أكثر أهلها النساء؛ يكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط) [البخاري]، والحنَّانة: أي كثيرة الحنين إلى أهلها، وبيت أهلها وتراعي حقوقهم أكثر من زوجها مسببة الألم له وهذا معاوية بن أبي سفيان عندما دخل على زوجته وهي تنشد حنينها لديارها في البدو، فسرحها إلى أهلها، والشداقة هي كثيرة الشتم والإهانة لزوجها مرتفعة الصوت فلا تعرف الحوار الهادئ، كثيرة الجدل مما ترهق الزوج وتستنفذ الكثير من طاقته، كما أنها تنظر إلى الحياة الزوجية باعتبارها حربًا ولابد من طرف منتصر وآخر مهزوم ؛ولهذا تحاول الاعتماد على كافة الأسلحة في سبيل أن تكون الطرف المنتصر على حساب استنفاد الكثير من رصيد المحبة والمودة بينها وبين زوجها، وهنا يقول ابن الجوزي: وينبغي للمرأة العاقلة إذا وجدت زوجًا صالحًا يلائمها أن تجتهد في مرضاته، وتجتنب كل ما يؤذيه، فإنها متى آذته أو تعرضت لما يكرهه أوجب ذلك ملالته، وبقي ذلك في نفسه، فربما وجد فرصته فتركها، أو آثر غيرها، فإنه قد يجد، وقد لا تجد هي، ومعلوم أن الملل للمستحسن قد يقع، فكيف للمكروه؟». وعلينا أن نتخذ من زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة فهذه السيدة عائشة التي يقول لها رسولنا الكريم: «إني لأعرف غضبك ورضاكِ، قلت: فكيف تعرف ذلك يا رسول الله؟ قال: إنك إذا كنت راضية، قلت: بلى، ورب محمد، وإذا كنت ساخطة، قلت: لا، ورب إبراهيم، قالت: قلت: أجل»، والبراقة هي تلك التي تتزين عند الخروج لغير زوجها مظهرة مفاتن جسمها لغيره، والبكَّاءة: أي كثيرة البكاء، خاصة عند المناقشة مع الزوج ولا تلين بسرعة وبالتالي تزيد من النكد وحجم المشكلة بدلًا من تقليصها والسيدة عائشة -رضي الله عنها- كسائر النساء كانت تغضب وترضى ولكنها تعود سريعًا ولم تكن من النوع النكدي الذي يصر على العناد وعدم الرضا أو التصالح، ومن ذلك ما رواه النعمان بن بشير قال: جاء أبو بكر يستأذن النبي فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذن له، فدخل فقال: يا ابنة أم رومان وتناولها، أترفعين صوتك على رسول الله؟ قال: فحال النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبينها، قال: فلما خرج أبوبكر جعل النبي يقول لها يسترضيها: (ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك)، قال: ثم جاء أبوبكر مستأذناً عليه فوجده يضاحكها، قال: فأذن له، فقال له أبوبكر: يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما، والنمامة هي الزوجة كثيرة الكلام على الناس وتنتقدهم بشدة مع غيرتها وحسدها لمن هم أفضل منها، فتقوم الدنيا ولم تقعد إذا علمت بأن زوج جارتها أو إحدى قريباتها قد أحضر هدية لزوجته ولم يحضر زوجها مثيلها، وأخيرًا الحداقة التي تنظر إلى كل شيء وتشتهيه دون مراعاة الظروف المادية والمعيشية لزوجها مسببة النكد والمشاكل بسبب قلة حيلة زوجها وعدم استطاعته تحقيق كل مطالبها . نصائح تخلصك من النكد ولأن النكد عواقبه وخيمة، عليك اتباع الآتي: * لا بد أن تراعي حالة زوجك عند عودته إلى المنزل، فلا تسارعي بإبلاغه بالأخبار السيئة أو الطلبات المتلاحقة وأهمية اختيار الوقت المناسب للحوار مع عدم التسلط أو محاولة فرض الرأي. * الاهتمام بمظهرك في البيت على أكمل وجه واحرصي على أن تكوني متجددة لإبعاد الملل والنكد. * هناك مثل دارج يقول: «أقرب طريق لقلب الرجل معدته»، ومن هنا على المرأة محاولة إرضاء زوجها بعمل الأصناف المحببة والمفضلة إليه فالإحصائيات الأمريكية والعالمية تقول: إن الطعام مسئول عن ثلاثة من بين كل أربعة خلافات زوجية، وإن نوعية الطعام وراء فشل ما بين 70 إلى 75% من حالات الزواج في حين ارتفعت النسبة في إحدى الدراسات إلى 90%. * الزوجة النكدية بتصرفاتها وردود أفعالها تدفع الزوج إلى الهروب خارج المنزل وتبقى وحدها أسيرة المشاعر السلبية التي وضعت نفسها فيها وبذلك يرتد النكد عليها. * ضعي مصلحة أبنائك نصب عينيك فالنكد وعدم الاستقرار الأسري غالبًا ما يؤثر على تحصيلهم الدراسي. * إذا كان النكد يبعد بينك وبين زوجك، فما رأيك في اتباع سياسة التدليل في محاولة منك لجعله كالخاتم في إصبعك. * اجعلي الابتسامة عنوانًا رئيسيًا لشخصيتك والرسول -صلوات الله عليه وسلامه- يقول: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» فما بالنا بالابتسامة في وجه الزوج. * تخلصي من شحنات الغضب والنكد كما حثنا الإسلام بأن تغيري من وضعك، فان كنتِ واقفة فاجلسي ثم عليك بالوضوء وصلاة ركعتين لإبعاد الوساوس والشيطان . الرجل يساهم في النكد وبحسب موقع (وفاء لحقوق المرأة) إنه برغم كثرة التصريحات التي تؤكد أن المرأة في كافة المجتمعات هي أساس النكد والمنتج الرئيسي له، فعلى الجانب الآخر نجد أن الزوج ليس ملاكًا دائمًا، وقد يكون السبب الرئيسي وراء نكد الزوجة ويكون سببًا لثورة الغضب لديها نتيجة طريقته بالكلام أو طبيعة عمله أو تجاهله لها، مع عدم التلاقي بين طبيعة المرأة العاطفية وطبيعة الرجل المادية، فهي تتألم من صمته وتجاهله وتحاول إثبات وجودها بشكل سلبي وتفريغ الغضب في زوجها، وحلا لهذا الخلاف يجب على الزوج أن يتبع سنة نبينا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام في تعامله مع زوجاته وإدارته للخلافات الزوجية حيث يقول الرسول: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» [ابن ماجه]، وقوله أيضًا (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله) [الترمذي]، فلم يكن النبي محبًا للنكد، بل كان مرحًا مع زوجاته والأمثلة على ذلك كثيرة، فيروى عن الرسول أنه سابق عائشة -رضي الله عنها- فسبقتْه، ثم سابقها بعد ذلك فسبقها، فقال: (هذه بتلك) [ابن ماجه]؛ فيجب على الرجل أن يدخل السرور على أهله، وأن يسعد زوجته ويلاطفها، لتدوم المودة، ويستمر الوفاق وان يكون مبسوط الوجه غير متجهم أو عبوس، وتقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون في مهنة أهله (أي: يساعدهن في إنجاز بعض الأعمال الخاصة بهن)، فإذا سمع الأذان خرج. [البخاري، وأبو داود]. وعن معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح) [أبو داود، وابن حبان]،ويكفي ما قاله -صلى الله عليه وسلم-: (استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج ما في الضِّلَع أعلاه؛ فإن ذهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج) [متفق عليه]. نصيحة لكلا الزوجين أنت أيها الزوج، إذا كنت تعيش مع زوجة نكدية فعليك بمراجعة أسلوبك معها فربما تكون أنت النواة الأساسية لفيروس النكد الذي أصاب حياتكما الزوجية، وربما تكون زوجتك في حاجة إلى تقدير منك نظير مجهودها مع الأطفال مثلًا أو نظير موقف تنتظر بطبيعتها العاطفية مقابله تقديراً، ولكن دون اهتمام منك ولذلك تتحول إلى زوجة نكدية، وعليك أيضًا أيها الزوج باتباع سيرة سيدنا محمد مع زوجاته. وأنتِ أيتها الزوجة لا أجد لكِ نصيحة أفضل من تلك التي قدمتها الكاتبة لورا دويل في كتابها «المرأة المطيعة» حيث تقول: عليك باحترام الرجل الذي اقترنت به وابتعدي عن إهانته أو الاستخفاف والاستهزاء به، وتفهمي آراءه حتى إذا كنت لا توافقيه عليها، وإذا فعلت أو قلت شيئًا دون احترام، فيجب عليك الاعتذار، واقبلي إجاباته دون تقديم أي انتقادات، كما يجب عليك ضبط نفسك بعدم نقده أو تقديم ملاحظات سالبة، فاحترامك لزوجك هو احترام لذاتك، فزوجك لا ريب يستحق منك كل حب واحترام، وإذا قمت بمعاملته دون احترام فإنك بذلك تعترفين بأن اختيارك لزوجك لم يكن موفقًا وأنك في ذمة رجل أقل منك شأنًا.