تعنيف الطفل يجعل حياته مليئة بالمشاكل النفسية بعد رحيلها أصابه الاكتئاب ودخل في نوبة بكاء متواصلة كان يتنقل في أرجاء المنزل ليستعيد ذكرياته معها، وعلى الرغم من محاولات محبيه التخفيف عنه إلاّ أن تلك المحاولات باءت بالفشل، لم يكن يدرك من حوله بأن حياة محمد ابن التسعة أعوام ستتوقف ليلحق بوالدته بعد ثمانية أشهر من وفاتها، تلك القصة الحزينة تشير إلى مدى خطورة الأمراض النفسية لدى الأطفال التي قد تكون سبباً في وفاتهم. مجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض كشف بأن عدد الأطفال الذين تم استقبالهم في العيادات الخارجية للأطفال خلال العام 1437ه بلغ (2187) بزيادة بلغت نسبتها (14.5%) عن العام 1436ه والذي بلغ عدد الحالات فيه (1869) طفلاً، كما أن عدد الأطفال الجدد الذين استقبلتهم العيادة بلغ (273) طفلاً وطفلة فيما بلغ عدد حالات المتابعة المستمرة (1914) طفلاً وطفلة، وتشمل الحالات اضطرابات فرط الحركة وتشتت الانتباه واضطرابات التوحد والاضطرابات السلوكية، وكذلك حالات رفض المدرسة، وحالات صعوبات التعلم، وانخفاض القدرات العقلية، إضافةً إلى الاضطرابات النفسية مثل القلق والوسواس والرهاب والاكتئاب والذهان واضطراب المزاجية. علامات خوف وقالت أم سعود -محاضرة في إحدى الجامعات-: توفيت شقيقتي في حادث سيارة قبل سنتين ومنذ ذلك الوقت كنت أعتني بأطفالها الثلاثة، ولكن أكبرهم فهد والبالغ من العمر ست سنوات بدأت عليه علامات الخوف والتبول اللا إرادي، إضافةً إلى الخجل، مضيفةً أنها حرصت على اخضاعه لجلسات نفسية ليتمكن من تجاوز أزمته والحمد لله فهد الآن من المتفوقين. وأوضحت علياء محمد -ربة منزل- بأن طفلتها أصيبت بالفزع والاكتئاب، إضافةً إلى أعراض التصلب اللويحي، وذلك بسبب كثرة المشاكل مع والدها، مضيفةً أن صحة ابنتها في تحسن بعد الانفصال والجلسات النفسية. أطفال مكتئبون من جهته أكد د.أحمد الحريري -معالج نفسي- أن الأسباب الوراثية للأمراض النفسية لا تختلف عن الأسباب الوراثية للأمراض الجسدية، فعلى سبيل المثال الآباء أو الأمهات المكتئبين من المحتمل أن ينجبوا أطفالاً مكتئبين وقس على ذلك الفصام والقلق وسائر الأمراض النفسية والخصائص والسمات الشخصية السوية وغير السوية، مضيفاً أن هناك أسباباً أخرى كالتجارب المؤلمة والخبرات الحياتية السيئة فهي أسباب وجيهة لظهور اضطرابات نفسية حادة واختلالات في الشخصية قد تظهر عقب التجارب السيئة مثل الاضطرابات التالية للصدمة النفسية وقد تكون مختبئة وتظهر بعد سنوات، مشيراً إلى أن التشخيص وإدارة العملية العلاجية النفسية هي المطلوبة عند ظهور المعاناة النفسية، لكن معرفة الأسباب تكمن أهميتها بعدم تكرارها مع الأبناء، فعلى سبيل المثال الأب الذي عايش المعاناة والقسوة من والده من الأجدر ألاّ يمارس الأسلوب نفسه مع أبنائه بحجة التربية. اضطرابات نفسية وأكد د.الحريري على أن الأب القاسي لابد أن يعلم أن القسوة التي يمارسها على ابنه هي ربما شكل من الاضطرابات النفسية والشخصية التي خلفتها قسوة الأب عليه، وقد يعذر الأجداد في أساليبهم القاسية في التربية؛ لأنهم ربما لم يحظوا بالتعليم والوعي الذي ينعم به معظم الآباء اليوم، وفي تقديري لا يعذر الآباء اليوم في استخدام القسوة لتربية أبنائهم فهي تخلف آثار نفسية سلبية، بل تُعد نقلاً للثقافة وأسلوباً سلبياً في التربية لا يجب أن يمارس اليوم؛ لأن القاعدة النفسية تقول المعنفين -أي من مورس عليهم العنف- يصبحون عاجلاً أم آجلاً معنفين أي يمارسون العنف على غيرهم. وعن دور الأسرة مع الأبناء المكتئبين قال: إنها أول احتواء للأبناء المكتئبين والمصابين بأمراض واضطرابات نفسية، لذلك من المهم معرفة الأعراض غير السوية التي ظهرت عليهم وعدم تفسيرها تفسيرات غير صحيحة مثل اتهام الأطفال بالعناد والتمرد، مبيناً أنه من الأفضل التوجه للعيادة النفسية لتشخيصها وعلاجها مبكراً، فعلاج جميع الاضطرابات النفسية مبكراً أفضل بكثير من تركها تتفاقم وقد ينتج عنها اختلالات وانحرافات سلوكية ومشكلات اجتماعية وأمنية عديدة. تدخل مبكر وقالت د. نرجس بوسعيد -استشارية الطب النفسي للطفل بمستشفى الأمل- إن عدد الأطفال الذين يتم استقبالهم في العيادات الخارجية للطب النفسي للطفل في تزايد أسبوعي مستمرّ، والحالات التي تتم مناظرتها والتعامل معها تشمل اضطرابات فرط الحركة وتشتت الانتباه واضطرابات التوحد والاضطرابات السلوكية، وكذلك حالات رفض المدرسة، وحالات صعوبات التعلم، وانخفاض القدرات العقلية، والاضطرابات النفسية عند الأطفال مثل القلق، الوسواس، الرهاب، الاكتئاب، الذهان، واضطراب المزاجية، وحالات التبول اللا إرادي، مؤكدةً على أن المرض وأعراضه يختلف من طفل إلى آخر وبذلك فاعلية العلاج تختلف من طفل إلى طفل حسب طبيعة وحدة المرض الذي يعانيه، كما يعتمد التحسن على مدى استمرارية المريض على العلاج والتدخل المبكر ومدى وعي العائلة بالمرض وحرصها على العلاج وعلى تغيير وتحسين بيئة الطفل، ذاكرةً أن هناك تدخلات يتم إجراؤها على الحالة قد تكون دوائية أو سلوكية معرفية أو كلاهما معاً، وهو الأمر الذي يحدده الفريق المعالج، إلى جانب الحصص العلاجية في العيادة، ولضمان فاعلية العلاج يتم التواصل مع الجهات المعنية بالأطفال -مدارس ومراكز- وفي حالة وجود مشاكل اجتماعية وأسرية يتم إجراء علاج أسري لأسرة الطفل. دور الأسرة وأوضحت د.نرجس بوسعيد أن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل، وهي المسؤولة عن تنشئته، وهي تعتبر النموذج الأمثل للجماعة الأولية التي يتفاعل الطفل مع جميع أعضائها، مضيفةً أن الأسرة تؤثر في النمو النفسي السوي وغير السوي للطفل، وتؤثر في شخصيته وفي نموه العقلي والانفعالي والاجتماعي، وتعتبر الأسرة المضطربة بيئة نفسية سلبية للنمو فهي تكون بمثابة مرتع خصب للانحرافات السلوكية والاضطرابات النفسية الاجتماعية والجنوح، والأسرة السعيدة تعتبر بيئة نفسية سليمة لنمو الطفل، مبينةً أنه تعتبر الأسرة جزءاً لا يتجزأ من برامج العلاج والتأهيل النفسي للأطفال الذين يشتكون من صعوبات نفسية، ولا يمكن لأية خطة علاجية أن تحقق أهدافها إلاّ إذا وضعنا في حساباتنا العوامل التي ترتبط بالأسرة علاقاتها الاجتماعية واتجاهاتها نحو الابن المريض، وكذلك درجة تقبلهم للطفل وأثر وجود الطفل على حياة الأطفال الآخرين داخل الأسرة وتأثيره في علاقتها الاجتماعية، مشيرةً إلى أن دور الأسرة يكون بالحرص على أخذ الطفل لعلاجاته، والحضور في مواعيد الجلسات، وتشجيع الطفل على التعبير عن مخاوفه وأفكاره دون فرض رأي عليه، وكذلك تعريف المدرسين المحيطين بالطفل باحتياجاته النفسية، وإعطاؤه الإحساس بالقدرة على التحكم والاختيار وحمايته من التعرض لأحداث الصدمات النفسية. د.أحمد الحريري