تُعد لجنة الانضباط بالاتحاد السعودي لكرة القدم وجبة دسمة لمسؤولي الأندية والإعلام والجماهير بسبب قراراتها المتفاوتة والمتباينة، وكانت "الانضباط" ومازالت واحدة من أكثر اللجان جدلاً، قرارات كثيرة استأنفها المعاقبون وكسبوها، وغيرها وصلت إلى اروقة الاتحاد الدولي لكرة القدم ومحكمة التحكيم الرياضي، وتُتهم اللجنة بين فترة وأخرى بأنها عقوباتها تصدر وفق أهواء ومزاج أعضائها، كون العقوبات تختلف في الحالات المشابهة رغم أن اللائحة هي ذاتها، وهو ما تسبب في زيادة احتقان الشارع الرياضي وتشنج الجماهير، ومرت اللجنة بمتغيرات عدة، إذ تعاقب عليها أكثر من رئيس، وفي هذا دلالة على حالة عدم رضا المسؤولين على عملها. "الرياض" سلطت الأضواء على لجنة الانضباط ولوائحها وفتحت ملفها، من خلال منح المساحة للمختصين وأصحاب الشأن وذلك عبر التقرير التالي: في البداية دافع رئيس لجنة الانضباط السابق فهد القحيز عن لائحة الانضباط الحالية، وحمّل اختلاف اللجان مسؤولية تباين القرارات، وأكد بأن المشكلة الحقيقية ليست في اللائحة إنما في من ينفذها -ويقصد بذلك اللجنة-، وشدد على أن "الانضباط" حالياً تضم قانونيين غير رياضيين وهو السبب الذي أوقعهم في عدم فهم اللائحة وتطبيقها بالشكل الصحيح، وقال: "في البداية أوضح بأنن اللائحة ثابتة منذ اعوام عدة، ولم يطرأ عليها أي تغيير او تعديل، ممكن يكون فيه اختلاف في التطبيق بين لجنة والثانية، لكن عندما يتم فهم اللائحة بالشكل الصحيح تكون العقوبات المقرره متوافقة مع الحالات التي تحدث، لكن عندما تفهم المواد خطأ بالتأكيد ستحدث الأخطاء ويحدث التباين، برأيي التغيير المتكرر في لجان الانضباط هو سبب مايحدث من تفاوت في القرارات، تأتي لجنة لديها قصور في فهم اللوائح ويكون فيه اختلاف في التطبيق بين اللجنة اللي تعمل وبين السابقة، هذه واحدة من الأسباب". وأضاف "كفاءة اللجنة في فهم اللوائح وقدرتها على تكييف المخالفات والحالات بما يتوافق مع مواد اللائحة أمر مهم، عندما يكون هنالك اختلاف في اللجان وكفاءتها نجد نوعاً من التباين في القرارات، شاهدنا اللجنة الحالية لديها تطبيقات خاطئة لمواد اللائحه وهذا السبب يعود إلى أن اللجنة في تركيبتها قانونيون غير ملمين بقانون اللعبة والمصطلحات الرياضية والامور الفنية واصابات اللاعبين واسبابها وما إلى ذلك، لذلك يكون عندهم مشاكل في اللائحة وفهمها وتفسير موادها، اللائحة في الأساس تتوقف على مواد في قانون اللعبة، السؤال الذي يطرح نفسه هل اللجنة بتكوينها الحالية لديها القدرة ولديهم خلفية بقوانين كرة القدم؟، هم ليسوا حكاماً سابقين ولا رياضيين، شاهدنا تطبيقات خاطئة في المادة 62، ورصدنا اخطاء في تطبيق مادة العنف والسلوك المشين، اللجنة الحالية تخلو من الرياضيين، كلهم قانونيون ليس لهم علاقة بالرياضة، لا يوجد فيهم متخصص في قوانين ولوائح كرة القدم، لذلك أرى بأن عدم فهم المصطلحات الموجودة في اللائحة سبب مشكلة حقيقية للجنة الحالية واوقعها في عدد من المشاكل، المصطلحات الرياضية لا يعرفها إلا أهل التخصص الرياضي". وحول اللائحة الحالية وحاجتها إلى التعديلات قال: "اصدرنا بناء عليها قرارات كثيرة، لم تظهر حالة وليس لها نص في اللائحة، فيها شمولية كبيرة بنسبة من 80٪ الى 85 في المئة، واثبتت نجاحها وكفاءتها وتوافقها مع الاحداث والمشاكل في الوسط الرياضي، هناك المادة 153 للحالات التي لم يرد فيها نص، عندها بالإمكان العودة إلى نظام الاتحاد الدولي لكرة القدم والآسيوي والاتحادات الاخرى التي سبقتنا، بالإضافة إلى المنطق والمباديء الرياضية، اللائحة لا يوجد فيها اشكالية برأيي، الاشكالية في من يعمل على تطبيقها، هي مبنية على قانون الكرة ومصطلحات رياضية وفنية وقانونية، حتى يتطور عمل لجنة الانضباط ويكون عملها بجودة أفضل لابد أن تكون تركيبتها مكونة من أهل التخصص الرياضي بالاضافة الى اثنين قانونيين كافيين برأيي، لأن الموضوع لا يقتصر على الإجراءات القانونية، انما عمل اللجنة متوقف على فهم قوانين الكرة واللوائح". وأضاف "اللائحة لا يوجد فيها ثغرات كبيرة، ويفترض مع كل نهاية موسم ترصد المخالفات التي بدون نص، ويتم تعديل اللائحة واضافتها، لم نجد حالات مالها عقوبات في اللائحة، اما إذا طبقت المواد على الحالات والمخالفات بطريقة خاطئة أو لم تتخذ اللجنة قرارات ضد مخالفات معينة فالعلة هنا ليست في اللوائح إنما في من يعمل بها، الحالات في كرة القدم والعقوبات تتخذ وفق تقارير أو سلطة لجنة الانضباط، واللائحة كفلت للمعاقب حق الاستئناف، لذلك لا يوجد مبرر للتحقيق مع المخالف قبل اصدار العقوبة، وهذا معمول به في الاتحادين الدولي والآسيوي". لكل قضية ظروفها بدوره قال القانوني المختص في أنظمة ولوائح كرة القدم جابر سعد: "التفاوت البسيط في القرارات لا يعني بالضرورة وجود قصور في عمل لجنة الانضباط أو أي هيئة قضائية، لأن لكل قضية ظروفها وملابساتها، ورغم ذلك فمعظم ما يتم تداوله حول وجود تفاوت في قرارات اللجنة، يكون له أسباب ومبررات قانونية، فعلى سبيل المثال عندما تصدر عقوبة من اللجنة على لاعب لارتكابه مخالفة معينة، ومن ثم يرتكب لاعباً آخر ذات المخالفة في مباراة أخرى ولا توقع عليه عقوبة من اللجنة، لا يعني ذلك بالضرورة وجود تفاوت في القرارات، لأن الأسباب قد تكون نظامية بموجب لائحة الانضباط التي لا تمنح اللجنة صلاحية معاقبة أحد الأطراف إذا ما وقعت المخالفة أمام مرأى حكم المباراة ولم يتخذ قراراً حيالها، أو اتخذ قراراً ولم يضمن تقريره ما يوجب على اللجنة التدخل وفرض عقوبات انضباطية أخرى، وهذا بلا شك لا يعني عدم وجود تفاوت على الإطلاق، أوحتى قصور في معالجة عدد من القضايا، فبعض الحالات التي تحدث داخل المستطيل الأخضر قد يثور حولها الخلاف، وينتج عنها اختلاف بين أعضاء اللجنة في استحقاق اللاعب للعقوبة من عدمه، والتصويت يكون هو الحكم". وحول سبب عدم لجوء "الانضباط" للتحقيق مع المخالفين قبل إصدار العقوبة أجاب: "التحقيق مع المخالف أو تمكينه من حق الدفاع سواءً حضورياً أو عن طريق إرسال مذكرات قانونية يتفق مع أحكام القواعد العامة في التقاضي، والمادة 102 من لائحة الانضباط أشارت إلى أن للأطراف الحق في الدفاع قبل اتخاذ أي قرار ضدهم، وذكرت هذه المادة على وجه الخصوص: حقهم في إبداء الحجج المادية والقانونية، وطلب تقديم الأدلة والمشاركة في تقديمها، إلا أن المادة 103 أوردت قيود على حق الترافع، لأجل الحفاظ على سير الإجراءات القضائية بصورة سريعة، ولا يتم إلزام لجنة الانضباط بتمكين الأطراف من حق الدفاع إلا عندما تقرر هذا الحق بتوجيه خطاب أو طلب إفادة من أحدهم، فعندها فقط لا تستطيع مصادرة هذا الحق، والحقيقة أن مسألة تمكين الأطراف من حق الدفاع غائبة عن المشهد الرياضي المحلي، ولا يلجأ لها إلا نادراً، رغم أهميتها وتعلقها بأحد المبادئ القانونية الجوهرية، وأتمنى المسارعة في جعله وجوبي بدلاً من كونه جوازي تقرره اللجنة وفق سلطتها التقديرية". وأضاف "من أهم المآخذ على لائحة الانضباط هو وجود فراغات تشريعية متعددة، أخطرها عدم معالجتها للآثار المترتبة على صدور قرار بتنزيل ناد حصل على لقب الدوري إلى مصاف أندية الدرجة الأدنى، كما حدث في قضية نادي المجزل، والسبب يكمن في أن عقوبة التنزيل لدرجة أقل، وردت في اللائحة على سبيل التخيير، ولا يجوز جمعها مع عقوبة أخرى كحسم النقاط أو سحب الجوائز، وهذا ما حدث فعلاً في قرار لجنة الانضباط الذي نص فقط على عقوبة التنزيل لدرجة أقل دون النص على أي عقوبة أخرى، وهو ما يعني احتفاظ الفريق الهابط بلقب دوري الدرجة الأولى، وبالمبالغ المالية والأشياء الرمزية كالميداليات والدروع، واحتفاظه كذلك برصيده النقطي كاملاً، وهو أمر لا يتفق مع المنطق السليم، فكل هذه المسائل لا يمكن من الناحية القانونية مصادرتها أو سحبها دون صدور قرار بذلك من لجنة الانضباط، ولائحة الانضباط تمنع الجمع بين عقوبة التنزيل لدرجة أدنى مع أي عقوبة أخرى باستثناء الغرامة، فحسم النقاط عقوبة، وسحب الجوائز عقوبة مستقلة، والتنزيل لدرجة أقل عقوبة مستقلة أخرى، وكلاهما منصوص عليه في الجزء الخاص من العقوبات الذي لا يجوز الجمع بينهما وفق المادة 33 من لائحة الانضباط، الأمر الذي يعني عدم تأثر سلم الترتيب، وبالتالي عدم أحقية أي نادٍ آخر للصعود وفق اللوائح، لعدم استحقاقه لذلك استناداً على رصيده النقطي الذي يعد الطريقة النظامية المقررة لآلية صعود الأندية، وللخروج من هذا المأزق صدر قرار من مجلس ادارة الاتحاد السابق بسحب اللقب والجوائز الرمزية والمالية، ومنحها لمن يليه في سلم الترتيب، مستنداً في ذلك على اختصاصه بتفسير نصوص اللوائح، إلا أن قرار مجلس الإدارة ذاك، لم يكن تفسيراً للوائح، بل إيقاع لعقوبات جديدة لا يجيز النظام صدورها إلا من لجنة الانضباط، وحتى الآن لم تعالج لائحة الانضباط هذا الفراغ التشريعي المقلق". وأضاف ملاحظاته على اللائحة "من الملاحظات على لائحة الانضباط، والتي تطفو على السطح كلما اقيمت مباراة السوبر خارج المملكة، هو ما يتعلق بإطار تطبيق اللائحة من حيث المكان الوارد في م6، والتي تنص على أن لائحة الانضباط تطبق على جميع المسابقات والبطولات والمباريات الرسمية والودية المقامة محلياً، دون أن توضح إن كانت جملة "المقامة محلياً" نسبةً إلى الإقليم أم نسبة للإتحاد، ودون أن ينص على ذلك في التعريفات، فعنوان المادة يشير إلى النطاق المكاني، الأمر الذي يجعل البعض يذهب إلى أن لجنة الانضباط غير مختصة بنظر المخالفات التي ترتكب في مباراة السوبر التي تقام خارج المملكة، وهو الرأي الذي لا أتفق معه رغم عدم وضوح اللوائح، لكون المباريات المحلية أرى بأنها التي تقام بين ناديين منتسبين للاتحاد سواء إقيمت داخل الدولة أو خارجها، وهناك ملاحظة تتعلق بالغرامات المالية، التي صيغت في اللائحة وفق آلية جامدة، لا تمنح اللجنة سلطة تقدير حجم المخالفة المرتكبة، ومن ثم تقريرالغرامة المالية التي تتناسب مع تلك العقوبة، فعلى سبيل المثال خلع الراية ورميها على الأرض احتفالاً بتسجيل هدف، يكيّف بأنه سلوك غير رياضي، إن لم يشاهده الحكم يغرم مرتكبه ب 40 الف ريال، أما لو شاهده الحكم فالعقوبة هي كرت أصفر فقط. وهذا أمر غير منطقي، والإشكالية تكون أكبر فيما لو ارتكب هذا الفعل لاعب من فئة البراعم، فعلى الرغم بأن اللائحة تنص على إيقاع 25 في المئة فقط من الغرامة المقررة، إلا أنها تبقى كبيرة، لكونه سيغرم ب10 آلاف ريال، وهو ما قد يفوق راتب والده الشهري بكثير". واستطرد "هناك ملاحظة أخرى حول عناوين المواد، فعلى الرغم من أن لجنة الاستئناف قررت عدم حجية عناوين الأبواب والفصول في الأنظمة واللوائح في إلزامية تحديد النص نظراً لتعلقها بالفهرسة والترتيب، إلا أن عناوين بعض المواد تبقى مثيرة للجدل واللغط، لكونها مصاغة في نطاق أضيق مما تحتويه المادة من مخالفات، وهذا يظهر في م67 المعنونة بالسلوك العدواني والتي أوردت السلوك غير الرياضي ضمن مخالفات السلوك العدواني، والحقيقة أن كل سلوك عدواني هو سلوك غير رياضي، إلا أن السلوك غير الرياضي لا يكون بالضرورة سلوكاً عدوانياً، وذات الأمر ينطبق على المادة 53 المعنونة بالتحريض على الكراهية والعنف، والتي جاء في فقرتها الثانية، "التجريح والإساءة والاتهام"، رغم أن التجريح قد لا يتضمن أي تحريض لا على الكراهية ولا على العنف، والملاحظة الاخيرة هي أن لائحة الانضباط لا تمنح اللجنة أي اختصاص بمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس ادارة الاتحاد السعودي، ولا ترتب عقوبات على عدم تنفيذ ما يصدر عن المجلس من قرارات، وما قامت به اللجنة في إصدار قرارات تنفيذية بخصوص العقوبات الواردة من فيفا على أندية سعودية، هو مجرد اجتهاد ليس له أي سند قانوني باللائحة". واختتم بقوله "لائحة الانضباط هي نتاج جهد بشري معرض للخطأ والزلل، وكثرة الملاحظات حول اللائحة تنم عن وجود اشكاليات حقيقية، تتطلب المسارعة في إعادة صياغة اللائحة بالكامل بالشكل الذي يعالج ما يشوبها من نقص وقصور، مع الأخذ بالاعتبار سد الفراغات التشريعية، وإزالة ما يعتريها من غموض يتسبب في تضارب منهجية عمل أعضاء اللجان الذين يتعاقبون في عضويتها، ومعالجة الوقائع الجديدة التي لم تؤخذ في الحسبان عند صياغة اللائحة". العقوبات تخضع للقوة ألقى المشرف على فريق القادسية سابقاً، والناقد الرياضي عبدالعزيز الموسى باللائمة على عدم تطبيق اللوائح والأنظمة، مشيراً إلى أنها تحتاج إلى المزيد من المراجعة والمتابعة والتحديث بشكل مستمر، وقال: "ما يحدث في الشارع الرياضي من اختلاف وتفاوت في الآراء تجاه القرارات الانضباطية وتسببها بالكثير من الجدل يعود في المقام الأول إلى عدم تطبيق اللائحة بشكل عادل على الأندية كافة، فالعقوبات تأتي على حسب النادي وقوته الإعلامية والجماهيرية، والمسؤولون عن اتخاذ القرارات الانضباطية كثيراً ما يأخذون بالاعتبار هذه العوامل، ولو طُبقت اللائحة بدون النظر لهوية النادي أو اللاعب أو الشخص المسؤول، فستكون منصفة للجميع والقرارات ستكون مقبولة من الشارع الرياضي". وعن المطالبات المتعلقة بضرورة استجواب اللاعبين أو المسؤولين الفنيين والإداريين قبل اتخاذ أضاف الموسى: "للأسف اللوائح لا تعطي هذا الحق في جميع الحالات، في جميع مسابقات الدوري في العالم المتقدم كروياً يتم استجواب الأشخاص قبل إيقاع العقوبات عليهم وهذا لا يحدث لدينا للأسف، فهذه النقطة جوهرية وضرورية وتعزز من عدالة القرارات الصادرة من اللجنة، كذلك لا بد من عقد ورش عمل للأندية والإعلاميين والإداريين لتوضيح اللوائح والأنظمة وتعزيز الثقافة القانونية في الوسط الرياضي". وعاد الموسى للمطالبة بعدالة القرارات والمساواة بين جميع الأندية والأفراد، متابعاً: "وجود مركز التحكيم الرياضي هو بمثابة وجود محكمة رياضية ولا بد من تفعيلها بشكل كامل وربما يكون هذا عاملاً مؤثراً في تعزيز العدالة في الوسط الرياضي".