ضرورة استيعاب الاختلاف بين البشر موضوع مهم وملح، خصوصا مع تفجر الأوضاع والصراعات في كل مكان، فتباين الأفكار في مختلف المجالات أصبح أكثر وضوحا وشدة من ذي قبل وعلى كل المستويات، في الفكر والدين والثقافة والسياسة، وما هذا الصراع إلا دلالة على أن أي محاولة لإلغاء الاختلاف أو تجاوزه ستؤدي إلى كوارث ولو بعد حين، ففرض التفكير الأحادي على البشر لم يعد ممكنا في ظل تفاوت الخلفيات الثقافية والفكرية والبيئية للبشر، ونمو الشعور برفض واحتكار الأفكار والحجر على الآراء. تعلمُ استيعاب الاختلاف والتعامل معه ليس سهلا، فنحن -ومع التفاوت في ذلك بين الأفراد والمجتمعات- تربينا بشكل عام على التمسك بما اعتدنا عليه باعتباره الأفضل، ولدينا ثقافة متوارثة تقوم على أحادية الفكر والرأي، وعلى مسايرة الجموع، وأكثر ما يتجلى ذلك في المسائل الدينية والسياسية، ولذلك يحدث الخلاف والصدام. ليس من الممكن أن تسير الحياة على فكر ورأي واحد، هذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها، والتجارب التي نحياها يوميا تثبت أن تحجر التفكير سبب للخلافات والانخراط في جدل وصراع لا ينتهي، وإذا لم يُعد الإنسان النظر في طريقة تفكيره، ويعطي فرصة لنفسه لاكتشاف وجهات نظر أخرى فإنه يحرم نفسه من فرص تغني أفكاره وحياته. تقبع حالة خوف أحيانا من آراء الآخرين، لأن الرأي المخالف قد يظهر ضعف الفكرة أو الرأي الذي يحمله الشخص الآخر، وهذا ما يدفعه للمقاومة واتخاذ موقف المدافع عن النفس، لأن الفكرة لا تكون مدعومة بالحجة أو المعلومات الدقيقة، وهذه حالة تحدث لكثير منّا أحيانا، وقد تستمر إذا لم نتعلم كيف نتراجع عن مواقفنا عندما نحس أننا لسنا محقين بما نقوله أو نفعله، وقد نتعلم على مضي الأيام من الشعور السلبي الذي يولده تصلب الآخر معنا في النقاش، وإصراره على فرض رأيه، ونحاول مع الزمن تفادي هذا السلوك مع الغير. تبدأ الخطوة الأولى لقبول الاختلاف في تعلم مهارة الإنصات، وهي مهارة صعبة لأنها تحتاج إلى صبر ووقت وجهد وبحث وعلاج لأسباب التهرب من الإنصات إلى الآخرين عندما يتكلمون ويعبرون عن أفكارهم سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو زملاء عمل. يبدو قبول الأفكار الأخرى أحيانا صعبا عند الأشخاص الذين تفوقوا وحققوا إنجازات في حياتهم، فهم يرون في أنفسهم قدرات عالية، ولذلك فإنهم لاينصتون بما يكفي لما يقوله الآخر، وهو نوع من الغرور، ومع أن لديهم وجهات نظر قيمة وخبرات واسعة إلا أن ذلك لا يعني أن الآراء الأخرى لن تكون فيها إضافة مفيدة أو ممتعة وفرصة لتوثيق العلاقات. التجارب والمشكلات تجبرنا على التغير.