عندما أصدر الراحل الأديب صالح الأشقر مجموعته القصصية الأولى (ضجيج الأبواب) كانت الساحة الثقافية تلك الفترة تشهد حركة دؤوب من حيث النشر في الملاحق الثقافية، والصفحات التي تعنى بالثقافة في الجرائد يومياً وأسبوعياً، وفي المجلات الأسبوعية التي أعطت مساحات واسعة للثقافة مثل مجلتي اليمامة، وإقرأ، والشهرية العربية، والفيصل، والحرس الوطني، وكان الحراك يشهد التحديث والتطوير في محاولة الانتقال من المحلية إلى الأفق الخارجي عبر المشاركات التي يساهم بها الكتاب العرب سواء من المقيمين في الداخل، أو المساهمين من أوطانهم، وكانت المساهمات لها فعلها في الإطلالة على العالم العربي من خلال تلك المساهمات، وكان هناك دور مهم للمساهمين من الأشقاء العرب في الكتابة كأساتذة الجامعات، إلى جانب من كان يعمل في مجالات أخرى، وبعضهم انضم إلى جهاز التحرير الثقافي في الصحف وساهم بشكل جيد في التحرير والتعريف بالساحة التي كانت ملامحها تبرز ما يملكه بعض الأدباء المحليين من قدرات يتوجب أن تتخطى المحلية نظراً للتساوي وربما التجاوز لنتاجات عربية سلطت عليها الأضواء وكانت الدعاية لها هي المقياس، فتوجه المحررون الثقافيون إلى العمل على إبراز النتاجات المحلية التي تستحق. صالح الأشقر أديب موهوب، وقارئ متابع، ومثقف حيث منح نفسه حرية القراءة المتعددة في الإبداع بأنواعه، وكانت القصة هي النافذة التي أطل منها وامتد الأفق أمامه وهو يرى أنه لا بد من التروي والتدقيق قبل أن يقدم على الإصدار، وكانت (ضجيج الأبواب) مجموعة قصصية مكتملة في التكنيك، والمواضيع، والروح الفنية في السرد وتوزيع الفقرات بين الكثافة والبساطة، والتنوع الذي يشي بتمكن صالح من فنه ودرايته بما يصنع، فهو برغم عمله المضني والشاق في العلاقات العامة بمستشفى الملك فيصل التخصصي وما يتطلبه ذلك من تسهيل أمور المتعاملين مع المستشفى من الأطباء الزائرين الأجانب، والعاملين وكذلك مصاحبة وتسهيل أمر السفر والاستقبال، وما يفرضه عمل رجل العلاقات العامة من الأمور المعروفة والمتطلبة للاستعداد الدائم كما الطوارئ، بالرغم من الشغل كان يعمل على تطوير ثقافته بالملاحقة والمتابعة للمستجدات، فكان المحرر النشط في الجرائد الرياض، والجزيرة، وكانت له لمساته وتتبعه للقصة والعمل على جذب القاصين الموهوبين من الشباب، حتى أن بيته كان ما يشبه المنتدى يستقبل فيه من يهمهم الأدب بفنونه، ولا يمكن أن يعيش بدون رفيق أو صديق من الأدباء، ويعمل من أجلهم الكثير يستضيف، ويمد بالكتب والمجلات، ولا يهمه عاد الكتاب أو المجلة من المستعير إلا سؤاله: (كيف أعجبك الكتاب أو المجلة)، وكم يكون مسروراً إذا قلت: "جميل الله يعطيك العافية يابو طارق". بعد (ضجيج الأبواب) بحوالي عشرين سنة أصدر المجوعة الثانية (ظل البيت) وهي فترة كان بإمكانه أن يصدر خلالها عدة أعمال ثقافية وخصوصا القصة، ولكن العمل ومشاغله، والأهم أنه لا يريد أن يبتذل فنه بأن يصدر فقط للصدور والنشر وملاحقة الدعاية، لقد كان يصر ويؤكد على الأناة والتدقيق والتمحيص، ومن ثم التجاوز للعمل السابق والإتيان بالإبداع الموحي بالجدة والمواكبة والاستشراف المستقبلي. بعض مجايليه تعددت إصداراتهم ولاحقوها دعائياً اختفى البعض مع أعمالهم، وبقيت (ضجيج الأبواب) في الذاكرة واسم صالح الأشقر يتردد في كل ندوة أو محاضرة، أو حوار عن القصة والقصاصين. إنسان متسامح مع نفسه ومع الناس حتى من آذوه تجاوز وترفع، وخلّف الذِّكر الطّيب، والعمل الإبداعي الباقي، والأمل في أن يعتني ذووه بجمع كتاباته تحت إشراف لجنة من محبيه، وإصدارها حسب تنوعها، ووزارة الثقافة والأندية الأدبية، وخاصة نادي الرياض يمكنهم ذلك. رحمك الله يا أبا طارق، فأنت باق في قلوب محبيك وهم كثر.