وصف المؤرخ الأميركي المعروف وليام بولك عودته للمملكة بفصل جديد من فصول حكاية "ألف ليلة وليلة" وذلك لما وجده من اختلاف كبير بين واقع المملكة الآن وبين ما كانت عليه في زيارته الأولى عام 1968 م والتي وثّق تفاصيلها في كتاب بعنوان "العبور الشجاع"، موجهاً شكره لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال. وكان بولك قد زار المملكة مؤخراً وتشرف بلقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، كما أقام محاضرة في المتحف الوطني تحدث فيها عن رحلته الشهيرة، وزار رفيقه في هذه الرحلة زامل بن هويمل. ويعد بولك أحد أشهر المؤرخين، ومكث في عدد من الدول العربية فترة طويلة باعتباره صحفياً ودبلوماسياً وباحثاً، واستطاع خلال هذه الفترة أن يجمع تاريخ المنطقة العربية خاصة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكانت أشهر رحلاته تلك التي قام بها على ظهر الجمل في صحراء المملكة عام 1972، ووقف فيها على المواقع التي وردت في قصيدة للشاعر لبيد بن أبي ربيعة، ومن نتائج هذه الرحلة أن نشرت جامعة شيكاغو للإعلام كتاب القصائد مع ترجمة وتعليقات د. بولك، وتمت إعادة طباعته ونشره من قبل الجامعة الأميركية في القاهرة، ومؤسسة أبوظبي الثقافية، كما نشر د. بولك مذكراته عن هذه الرحلة تحت عنوان "العبور الشجاع" من قبل دار كنوبت Knopt أولاً، ثم من دار بالانتين للنشر Ballantine. ولم تظهر النسخة المترجمة إلا لاحقاً بمبادرة من مؤسسة أبوظبي الثقافية تحت عنوان "رحلة إلى الماضي العربي". وكشف بولك في حديث للرياض عن تفاصيل رحلته الأولى، فيقول: "بدأت القصة عام 1968م، عندما قصدت الملك فيصل -رحمه الله- وطلبت منه ترجمة قصيدة عربية رائعة أسميتها "النشيد الذهبي" للشاعر لُبيد بن ربيعة من القرن السادس، وقلت له: أريد أن أعيش التجربة ذاتها التي عاشها الشاعر لبيد حتى أشعر بالمشاعر والأحاسيس التي تكتنفها طيات هذه القصيدة، وجاءتني الإجابة من الملك فيصل محذراً من هذه المغامرة لأن الصحراء خطرة، ومع ذلك فقد أمر بإعطائي سيارة ورددت عليه قائلاً: "لا، أحتاج إلى الجمل كما كان يفعل الشاعر البدوي لبيد بن ربيعة، أريد أن أعيش تجربة الشاعر، وأن أتنفس هواء الصحراء، وأن أشعر بالعطش وأن أعاني قليلاً"، وهكذا وفر لي -رحمه الله- عدداً من الجمال المسرجة، وعدداً من الرجال لمرافقتي". مضيفاً: "وعلى إثر ذلك، دعوت صديقي الطالب السابق والمصور المحترف بيل ماريس لمرافقتي في الرحلة، واستغرقت الرحلة قرابة الشهر، وكانت تجربة لا تنسى، كانت كل ما أحتاجه لأعيش تجربة لبيد بن ربيعة. عانينا حقاً، وشارفنا على الموت عطشاً، ولكن في آخر ليلة، وبينما كنت أترنح سمعت صوتاً بجانبي، كان صوت صديقي بيل الذي يمتطي جمله بالقرب مني عندما صرخ قائلاً: "لم أشعر في حياتي بمثل هذه السعادة، هيا بنا نعيد الكَرَّة، لنقم بالرحلة ذاتها مرة أخرى". وعبّر المؤرخ وليام عن دهشته مما رآه من فروقات هائلة وتطور كبير في المملكة ما بين رحلته الأولى في ستينيات القرن الماضي وبين عودته الأخيرة، مشيداً بالمتحف الوطني "إنه صرح عمراني حديث مكرس لعرض التراث، ويشبه إلى حد كبير المتحف التراثي الجديد في أثينا، فالصالات واسعة ومصممة بذوق رفيع يعكس جمالية القطع ورونقها". ويضيف: "الجزيرة العربية هي متحف بحد ذاتها. النقوش والآثار في المواقع الأثرية لا تعكس التطور في المنطقة من أواخر العصر الحجري الحديث مروراً بالنبطية وانتهاءً بعهد ما قبل الإسلام "الجاهلية" فحسب، وإنما تعكس الطريقة التي استطاعت فيها المجتمعات أن تنتقل من منطقة إلى أخرى، وأن تمتد لتصل إلى المناطق المجاورة، وقد تم تصميم المتحف الوطني ليسلط الضوء على هذه التجربة الإنسانية الطويلة، وهو تصميم جميل ينقلك بسلاسة من مرحلة إلى أخرى، وتشير معروضات المتحف الوطني إلى أنه قبل 5000 سنة قبل الميلاد كانت التجارة حاضرة بين الخليج العربي، ونهري دجلة والفرات في بلاد ما بين النهرين ونهر النيل". وزار د. بولك ملتقى "ألوان السعودية" الذي عقد مؤخراً في الرياض: "وكانت مفاجأة لي بقدر النهضة التي شهدها علم الآثار العربية. دخلنا إلى صالة عرض ضخمة يتجمع فيها الشباب السعوديون ليعكسوا تصورهم أو رؤيتهم للحياة والثقافة في الجزيرة العربية. لم يكن هناك نظام أو ترتيب معين، فكل منهم قام باعتلاء منصته ليقدم ما يراه مهماً أو مفيداً أو ممتعاً، كان ذلك الذي رأيناه عرضاً عفوياً للحرف والنشاطات والمهارات السعودية في الملتقى، لم يكن مثل هذه الفعاليات وارداً ولو في الأحلام في الجزيرة العربية التي كنت أعرفها قديماً، فالملتقى وغيره من الفعاليات والمبادرات الحديثة في السعودية هي وليدة أفكار مضيفنا الأمير سلطان بن سلمان، ولا شك في أنها أفكار جاءت في وقتها. رأينا الآلاف من الشباب ينتشرون في أرجاء الصالة لعرض الصور، والأعمال الحرفية، والتفاعل مع الآخرين. كانت صورة غريبة، لا يمكن أن تشبه الصورة النمطية التي رسمتها أوروبا وأميركا عن المملكة، فالسعوديون في نظرهم هم أناس صارمون، وانطوائيون، ومتطرفون.. للأسف لم يعرفوهم حق المعرفة". المؤرخ المعروف أبدى إعجابه بالتراث الإنساني للمملكة