في عام 1999م كنت أعمل في شركة يابانية ناشئة ومتخصصة في صناعة المحتوى على الجوالات وتحقق نجاحات كبيرة. كانت الساعة الحادية عشرة ليلاً ولم أنته بعد من الأعمال التي تم تكليفي بها. وفجأة استدعتني مديرة الشركة مع زميلي الياباني وطلبت منا إعداد دراسة تسويقية عن بيع منتجات الشركة لمحطة تلفازية كبرى قائلة:" أريد الدراسة جاهزة للعرض على مكتبي الساعة السابعة غداً صباحاَ!!". وبحسبة بسيطة وجدت وزميلي أنه يستحيل علينا العودة لمنازلنا وإتمام المهمة، وعليه قررنا البقاء في الشركة والسهر على المشروع. وفي اليوم التالي عرضنا الدراسة على المديرة في الوقت المحدد. أعطتنا بعض الملاحظات وطلبت منا إجراء تعديلات قبل الاجتماع المقرر مساء. وفي نفس اليوم وقرب منتصف الليل أعطتنا مهمة أخرى وطلبت منا إنجازها لصباح اليوم التالي...مقالة اليوم تسلط الضوء على مشكلة انتحار الموظفين في الشركات اليابانية... بداية يجب أن أوضح أن ماحصل لي ولزميلي قد يكون معتاداً في المؤسسات اليابانية. وبشكل عام فمن الطبيعي أن يظل الموظفون اليابانيون في مكاتبهم لساعات بعد نهاية الدوام. وحسب بيانات وزارة العمل والصحة اليابانية فحوالي 44% من الشركات اليابانية تكلف موظفيها بساعات عمل إضافي تتجاوز الثمانين ساعة شهريا. ووصل الأمر بإحدى الشركات اليابانية إلى إجبار موظفيها على المبيت في الشركة خشية تأخرهم في صباح اليوم التالي نتيجة إعصار قوي قادم. وقد ينظر البعض لهذا كنوع من الانضباط والتفاني، ولكن وبالمقابل فهنالك جوانب سلبية كثيرة على هذه الثقافة في العمل. وأولى هذه السلبيات الإرهاق المتزايد الذي قد يؤدي إلى الموت وهو ما يطلق عليه في اللغة اليابانية ( كاروشي Karoshi ) حيث تضاعف عدد ضحايا الكاروشي في اليابان عشر مرات مؤخراً وبلغ عدد الوفيات والمنتحرين بسبب الكاروشي باليابان ما يقارب المائتي شخص خلال عام 2013م. وتشير الدراسات إلى أن من أكبر مسببات الانتحار للموظفين اليابانيين هي: العمل أكثر من 45 ساعة إضافية شهريا، عدم أخذ الوقت الكافي للنوم، العلاقات الأسرية الضعيفة، انعدام الوقت لممارسة الهوايات، الإحساس المبالغ فيه بالمسؤولية وعدم التمتع بالإجازات. ومؤخراً تحاول الحكومة اليابانية حل المشكلة بعمل جولات تفتيشية مفاجئة لمعرفة تقيد الشركات بعدم إجبار الموظفين على العمل لساعات طويلة مع جهود لنشر ثقافة ضرورة الموازنة بين العمل والأسرة وأن يكون التقييم بالإنتاجية وليس ساعات العمل. وباختصار، فرغم النجاحات والتميز لليابانيين في الإدارة، فتظل لديهم المشاكل والتحديات شأنهم شأن بقية شعوب كوكب الأرض!