ذكر فرانسيس فوكويما في أحد كتبه أن الشركات الأميركية يغضبها ذلك التمسك الصارم بتقاليد العائلة في المجتمع الياباني من حيث نمط الاستهلاك، فهناك التزام بطاعة الوالدين وتطبيق أوامرهما على نحو كبير، وهذا مما عزز الاقتصاد في هذا البلد الغني والمنتج، الذي ظهر فيه الكاروشي Karoshi وتعني بالترجمة اللفظية اليابانية (الموت من إرهاق العمل) «death from overwork» وبدأت هذه التسمية في نهاية الستينات عندما توفي عامل في شركة شحن يابانية جراء جلطة دماغية نتيجة العمل المتواصل لأكثر من 16 ساعة يوميا. ومنذ ذلك الحين بدأت الأعداد بالتزايد حتى وصلت إلى قرابة (300) حالة كاروشي سنوياً في الفترة بين 2005-2008. من المؤكد أن هذه التسمية أو المصطلح ليست معروفة في واقعنا خاصة والعربي عامة، وذلك ناتج لعدم إدارك قيمة الوقت والإنتاجية التنافسية والتقدم العلمي، الشيء المثير للتعجب هو وجه المقارنة بين من يموت بالكاروشي وبين من يموت بالسمنة وامتلاء الكروش في عالمنا العربي، وجدت أن هناك أكثر من 40 مليون عربي من أصحاب (الكروش) والسمنة ومضاعفاتها ويموت بسببها - فقط في السعودية - أكثر من عشرين ألف مواطن سنوياً. تؤكد الإحصائيات أن إنتاجية الموظف أو العامل في الدول العربية كحد أقصى أقل من ساعتين، بل إن إنتاجية بلد عربي إفريقي تبلغ خمس دقائق باليوم، وفي بعض الدول العربية 15 دقيقة في اليوم، وجزء كبير من هذه الأزمة يعود إلى قلة الالتزام بالوقت والمواعيد والمهام الموكلة والاستهتار بالعمل، وعدم وجود الطموح والتخطيط المؤسسي أو الشخصي إلا نادراً، وهذا ما يذكره تقرير التنافسية العالميةThe Global Competitiveness Report 2010 – 2011 الذي يعطينا ترتيبا وتقييماً لكل دولة بحسب أدائها الفعلي، والعجيب أن التقارير العلمية لم تلقِ باللائمة أبداً على الدين أو التقاليد - كما يلقيها جزافاً من يتهم قيمنا وديننا بأنهما السبب- هذا ولأن ديننا الإسلامي يحث على العمل بل وإتقانه. فالمشكلة هي شخصية مؤسسية وعادات تبلورت في ظل الفساد الإداري والاهتمام بصغائر وتوافه الأمور على حساب التقدم العلمي والتقني والإنساني. ولعل أبرز ما في ديننا من الحث على العمل وطلب الرزق من قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لأمتي في بكورها». فمتى نستفيق؟