انتاب يوسوكي أكاباني الخوف على حياته عندما سقط أربعة من زملائه في الاربعينيات من العمر في موقع العمل واحداً تلو الآخر بسبب إصابتهم بسكتة دماغية خلال عامين. وكان هؤلاء الزملاء يؤدون ساعات عمل إضافية تصل إلى 300ساعة شهرياً بوصفهم مديري متاجر الخدمة السريعة التي تعمل على مدار الساعة في اليابان. وتعد السكتة الدماغية أحد أكثر أسباب الوفاة الناجمة عن الاجهاد في العمل (الكاروشي). لكن أكاباني، الذي يقول إنه عانى أيضاً من أمراض بسبب الافراط في العمل، نجا من مصير زملائه لكي يحذر العمال الآخرين ممن هم على شاكلته من المخاطر المحتملة للكاروشي فيما يواصل اقتصاد البلاد التوسع والنمو. وعاد الكاروشي، الذي أثار الفزع لدى العاملين في اليابان إبان فترة الازدهار الاقتصادي آواخر ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن العشرين، ليؤرق العاملين مرة أخرى. وسجلت وزارة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية اليابانية 142حالة كاروشي خلال 12شهراً إلى آذار/مارس الماضي. أما حالات الانتحار التي تعود إلى عبء العمل الزائد عن الحد فقد سجلت رقماً قياسياً بلغ 81حالة أي ضعف الحالات المسجلة عام 2003.كما سجلت حالات الاكتئاب الناجمة عن الافراط في العمل رقماً قياسياً بلغ 268حالة بارتفاع قدره 30.7في المئة مقارنة بالعام السابق. وغالباً ما يتعرض العاملون الذين يشغلون مناصب إدارية مثل أكاباني لضغوط هائلة إذ يقضي المديرون ساعات أطول في العمل لتعويض النقص في حجم العمالة حيث تتجه الشركات لتقليص قوة العمل للحد من ارتفاع التكاليف. وفي هذا الصدد يقول أكاباني إنه وزملاءه نادراً ما يستطيعون الحصول على عطلة مرضية من منطلق خوفهم من تحويلهم إلى مرتبة أدنى أو فصلهم من العمل. وأظهرت البيانات التي أصدرتها وزارة العمل الاسبوع الحالي أيضاً زيادة في عدد الشكاوى من التعرض للمضايقات أثناء العمل بنسبة 27.6في المئة خلال السنة المالية 2007مقارنة بالعام السابق عليه. وقال أكاباني في ندوة عقدت بالعاصمة اليابانية بهدف الدعوة إلى القضاء على الكاروشي والتدهور الصحي بسبب الإفراط في العمل "زملائي.. فتح الموت عيناي". وبدأ التفاوض مع الشركة لتحقيق هذه الأهداف. أما فوييوشاي شيميزو ( 28عاماً) فقد انتهى به الأمر إلى ترك منصبه كمدير في سلسلة المتاجر ذات الأسعار المخفضة والمنتشرة في ربوع البلاد بعد 14شهراً من تسلمه العمل عقب أن ثبت من الفحص الطبي أنه أصيب بالاكتئاب. وكان شيميزو يعمل 300ساعة إضافية في المتوسط شهرياً دون أن يتقاضى أي زيادة في راتبه الشهري المحدد ب 210آلاف ين ( 2000دولار). وقال أيضاً إنه لم يخطر في المرات الست التي تم نقله فيها إلى متجر مختلف إلا قبلها بفترة قصيرة للغاية. وكانت طبيعة عمل شيميزو تقتضي تلقي المكالمات الهاتفية ليل نهار كما تعين عليه أن يستقل دراجته للوصول إلى المتجر لكي يساعد في التوصل لحلول للمشاكل طوال فترة العمل على مدار الساعة. ورغم لقبه الوظيفي إلا أنه كثيراً ما وجد نفسه يجري العديد من المكالمات الهاتفية ويضع السلع على الأرفف وينظف الأرضيات حيث يؤدي أعمالاً كان يقوم بها أربعة من العاملين بنظام نصف الوقت ولكنهم تركوا العمل فجأة. وقال شيميزو إن نقص عدد ساعات النوم والفزع من سماع رنين الهاتف والضغوط التي يمارسها رؤساؤه من أجل دفعه لزيادة الأرباح جعلته جميعها يسقط مريضاً ويفقد طموحه. وأردف: "كنت أعامل مثل عبد طيع للشركة". وأقام شيميزو دعوى قضائية ضد الشركة الأسبوع الماضي مطالباً بتعويض ومقابل مادي لساعات العمل الإضافية وهو ما يصل إلى 4.5ملايين ين. وينص قانون العمل في اليابان على أنه يجب ألا يعمل الموظف أكثر من 8ساعات يومياً و 40ساعة في الأسبوع. أما بالنسبة لساعات العمل الإضافية فيجب ألا تزيد على 45ساعة شهرياً وإذا وصلت إلى 80ساعة فتعتبر أنها تنطوي على خطر التعرض للكاروشي. وتمكن هيروشاي تاكانو من الحصول على تعويض بأمر من المحكمة بعد أن توفي زميل له كان يتولى منصب مدير أحد منافذ ماكودنالدز. وحصل تاكانو على تعويض قدره 7.5ملايين ين من شركة ماكدونالدز بعد أن أقام دعوى قانونية للحصول على مقابل مادي لساعات العمل الإضافية التي لم تدفع له والتي بلغت 24شهراً. وبلغ مقدار التعويض 11مليون ين عام 2005.@ (د. ب. أ)