انطلق في الآونة الأخيرة مصطلح القوى الناعمة حتى ملأ الأرض ضجيجا كمنهجية لخطاب فني وإعلامي عالمي جديد، وهو حقيقة مصطلح جديد ظهر مع ظهور مشكلات الشرق الأوسط ومع الثورات العربية نحو التغيير وخاصة بعد خسائر الولاياتالمتحدة الأميركية في العراق. إلا أنه بات مصطلحا لزجا لم يكتسب صلابته لعدم فهم مقتضياته. واقتصاد الوجدان علم آلياته هي (التسرب الانفعالي، والانزلاق الوجداني) ليثير المتعة فالمتعة هي مفتاح سر التلقي.. وقد بينت تلك الآليات في نظرية البعد الخامس والتي تهتم بهذا الأمر في التلقي، إلا أن هذا الأمر يحتاج منا إنشاء مشروع جديد يتعلق ب(علم اقتصاد الوجدان) لكي يتسنى لنا استثمار نظرية البعد الخامس تلك في مقتضيات الخطاب العام الذي وجب تغييره. هذا العلم الجديد يتخذ قوته من ثلاثة محاور والتي تعمل على تغيير الأفكار التي نريد تغييرها وهذه المحاور أو الارتكازات هي (العقيدة، السرد، إثارة الخيال). حين درست هذا العلم لم يكن همي حينها سوى استجلاب المتعة في التلقي، ومتعة تلقي الخطاب عبر هذه المحاور هي ما تعمل على ذلك التسرب الانفعالي إلى عمق الوجدان، فقد بات جليا لنا تلك الحاجة الملحة في تربية الوجدان عن طريق علم جديد يهتم بذلك التسلل إلى عمقه لكي نعمل على محاربة كل الأفكار الضالة المدمرة للإنسانية، فاتساق الوجدان هو ما يعمل على السلام الدائم مع الذات ومع العالم. مصطلح القوى الناعمة -الذي لم نعرف كنهه حتى الآن- هو ما يهدف إلى استخدام الوجدان والسيطرة عليه ولكنه لم يهتد إلى الوسائل العلمية التي تعمل على هذا التسرب، فبات مصطلحا لزجا مطاطا بالرغم من قيام كثير من الفنون ومن الخطاب العالمي لتفعيله فيقول أحد المنظرين الغربيين وهو من أطلق هذا المصطلح: "لم تنجح قوة أميركا الناعمة أبداً في اجتذاب أسامة بن لادن والمتطرفين. فالقوة العاتية فقط هي الجديرة بالتعامل معهم. لكن القوة الناعمة ستلعب الدور الحاسم في اجتذاب المعتدلين وحرمان المتطرفين من الحصول على أنصار جدد" بالرغم من أنه من طرح هذا المصطلح وهو من ابتدعه حيث فيقول: "بعد انتهاء الحرب في العراق تحدثت عن القوة الناعمة -وهو مفهوم من ابتكاري- أمام مؤتمر في واشنطن شارك جيش الولاياتالمتحدة في رعايته. وكان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أحد المتحدثين أمام المؤتمر. واسمحوا لي أن أورد هنا قسماً مما ورد في تقرير صحفي عن المؤتمر: "أنصت كبار القادة العسكريين بتعاطف، ولكن حين سأل أحد الحاضرين رامسفيلد عن رأيه في القوة الناعمة، أجاب قائلاً: "لا أعرف ماذا يعني هذا التعبير". ثم يقول: "القوة الناعمة هي القدرة على التوصل إلى الغاية المطلوبة من خلال جذب الآخرين، وليس باللجوء إلى التهديد أو الجزاء. وهذه القوة تعتمد على الثقافة، والمبادئ السياسية، والسياسات المتبعة. وإذا تمكنت من إقناع الآخرين بأن يريدوا ما تريد، فلن تضطر إلى إنفاق الكثير بتطبيق مبدأ العصا والجزرة لتحريك الآخرين في الاتجاه الذي يحقق مصالحك". ثم يقول مكتب الدراسات للقوى الناعمة بلبنان في أحد إصداراته: "رغم أن مقولة الحرب الناعمة أصبحت مادة تدرس في كلية الدراسات العسكرية للقوات الأميركية تحت عنوان NPS ورغم أنها استراتيجية رسمية للإدارة الأميركية تحت عنوان "المكافحة الناعمة لحركات التمرد" تحدث عنها انتربرايز وأن هذه الإستراتيجية مطبقة على 300 ألف لبناني وفق بعض أرقام البرامج، فلا يزال البعض في ساحتنا ينكر وجودها، أو يشكك بمدى فعاليتها في ضرب وزعزعة جبهتنا".. ذلك لأنه لم يتم التوصل إلى كيفية آليات هذا الاجتذاب، ولذلك لم يتكمن أحد من تفعيله بالرغم من محاولة تفعيل هذه القوى، لم ينشئ هذا العلم الذي يكمن في هذا التسرب للسيطرة على الوجدان الذي هو أساس لكل شيء، فالمبادئ السياسية والسياسات المتبعة والثقافة والعصا والجزة تمارس منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، ولكن هل فكرنا يوما في علم ينبثق من علوم التلقي وعلوم النفس وعلوم الاقتصاد مجتمعة فيما أسميته (علم اقتصاد الوجدان) مما يجعلنا مسيطرين تمام السيطرة على الوجدان الجمعي بالتسرب الانفعالي كأداة في حفظ هذا الوجدان من العبث واللعب به وتقلبه بين اللذة والكدر، ونخرجه من بؤرة التطرف والإرهاب أو حتى التبعية الممجوجة؟ ولذلك نستطيع القول إن قادة الإرهاب في العالم هم من يمتلكون القدرة على عملية التسرب الوجداني عبر العناصر الثلاثة السابق ذكرها، ولهذا شكل لهم اجتذاب الآخرين إلى حظيرتهم أمرا يسيرا! في هذا الوقت وجب علينا استخدام الترياق لهذه السموم المتسربة -عبر الخطاب المؤدلج- لتدمير المشروع الإرهابي وتحصين وجدان البشر من العبث به فلكل سم ترياق، وترياقه هو دراسة علم اقتصاد الوجدان ثم تطبيقه فيما يسمى بالقوى الناعمة لأنه بات تدمير الشعوب من دواخلهم وليس من خارجهم، هذا التدمير هو السيطرة على وجدان العامة بحسب العلم المطلوب إن جاز التعبير، ذلك لأنها عملية فنية، أدبية، وجدانية، نفسية، محسوسة غير ملموسة هدفها السيطرة على البيئة الثقافية والسياسية والمعلوماتية والإعلامية للأنظمة، وشل فعالية الجهاز المفاهيمي في عمليات القيادة والسيطرة في الحقلين الثقافي والسياسي وتمهيدا لممارسة التوجه والتحول التدريجي للعقل وللوجدان! وأعتقد أن المملكة العربية السعودية قد سلكت مسلكا جيدا في مشروع المناصحة ولكن دائما وأبدا لا يمكن تحقيق التسرب الانفعالي أو الانزلاق الوجداني عبر الخطابات المباشرة، وإنما عبر مشروع جديد نطلق عليه علم اقتصاد الوجدان.