من المعلوم أن المال هو شريَانُ الحياةِ، وحبه غريزة في النفس البشرية، وجِبلّة في الطبيعة الإنسانية، حيث قال ربنا في وصف جنس بني الإنسان:«وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا». وقضية الرزق -كما لا يخفى- من القضايا التي تشغل بال الكثيرين، فما من أحد على وجه البسيطة إلا من رحم الله إلا وهو مهموم برزقه، مشغول به، دائم التفكر فيه، ولاشك أن الخلق قد جُبلوا على الاشتغال بأرزاقهم، والسعي خلف دنياهم، لتأمين حياة كريمة لهم ولأسرهم وأبنائهم، وقد يشق على البعض تدهور الظروف الاقتصادية من حوله، والتي يشهدها العالم أجمع، فعندئذ لا بد من الإشارة إلى إشارات هامة: أولا: أن من سنن الله في هذا الكون أن يكون هناك تقلبات ومد وجزر في أحوال الدول واقتصادها بل يمكن اعتبار التقلبات الاقتصادية، والتحولات المالية إحدى قوانين الحياة. ثانيا: أن معادلة تقليل الخسائر هي نوع من أنواع الربح! ثالثا: أن الأرباح الحقيقية ليست مادية فحسب، بل حتى معنوية!، فأمنك واستقرارك وحماية حدودك، بل وقيمتك التي تتصاعد بين الشعوب والأمم أليس لها ثمن؟. رابعا: إذا تأملت بعين المنطق والعقل في تفاصيل المشاريع المستقبلية، والخطط العملية، التي تسعى قيادتنا لتحقيقها، وجدتها رؤىً طموحة، وبرامج واعدة، لا ينقصها -بعد توفيق الله- سوى تكاتف أبنائه، وعزم شبابه، وإصرار رجاله، فلنطمئن!. خامساً: من لا يعمل لا يُخطئ! والسفن آمنة ما تكون في المرسى لكنها لم تصنع لذلك! فالخوف من الفشل، يجبر المرء على التقهقر للخلف، والركون إلى الدعة والكسل، فالناجح لا يخشى العوائق، بل يعتقد أن كل مشكلة في داخلها هدية، وكما يقول تشرشل "الأزمات تصنع الفرص". سادسا: يجب أن لا نسمح لمخذل أن يفتّ في عضدنا، أو متشائم أن يحبط عزيمتنا، أو حاسد أن يُفرق وحدتنا، كفانا استماعاً لأراجيف محبطة، وشائعات مخذّلة، وأقاويل كاذبة، واختلاقات مزيفة! أعداء يتربصون، ومنافقون يُرجفون، وأذناب يتصيدون، وجهلة يروجون، ومغفلون يصدقون، فأين تذهبون؟ سابعا: التاريخ لا يكذب! فمع كل الأزمات المالية، والتقلبات الاقتصادية، والأحداث السياسية التي واجهتها بلادنا -سيما خلال العقود الأربعة الماضية- فإنها كانت نقطة تحول لها في رسوخ قواعدها، وتدعيم بنيانها، وقوة تأثيرها إقليمياً وعالمياً. ثامنا: لقد كان من دأب نبينا صلى الله عليه وسلم التفاؤل في العسر واليسر، وكان يقول (يعجبني الفأل)، فالمؤمن ليس له حظ من التشاؤم، بل يعمل بجد واجتهاد، وبذل للأسباب، وهو مع ذلك مطمئن البال، منشرح النفس، واثق برزقه، لا يلتفت لأراجيف مرجف، أو شائعات حاسد، أو أكاذيب حاقد. تاسعا: من كانت حباله ممدودة بخالقه، وثقته متصلة بسيده، كان في أمان من القلق والخوف من فوات رزقه، فالرزق وَالْأَجَل قرينان مضمونان، فَمَا دَامَ الْأَجَل بَاقِيا كَانَ الرزق آتِيَا. عاشرا: إن المؤمن العاقل ليحمد الله أن هيئ له بلدا آمنا، وقيادة رشيدة، تحكم بشرع الله، وتحتكم إلى كتاب الله، ووحّدت أبناءها تحت راية لا إله إلا الله، بلاد تقود العالم، وتنشر السلام، وتحمي الأوطان، هي عز للأمة، وفخر لأهل السنة، أخرست أفواه المجوس، وقطعت أذنابهم، وشلت تحركاتهم، وقلبت مخططاتهم، بلاد أعادت للأمة هيبتها وعزها وفخارها، وهذا كله ولا شك يتطلب عملاً دؤوباً، وجهداً متوافراً وإنفاقاً مالياً ضخماً، في ظل ظروف اقتصادية، وتقلبات مالية، ومع ذلك فقد كان إعلان الميزانية المالية لبلادنا هذا العام شاهداً "بفضل الله وحده" على تمكّنها من تجاوز هذا المنعطف بأقل الخسائر، وجاء إعلان بعض البرامج العملية لتنفيذ رؤية المملكة 2030 أمراً مبشراً بمستقبل مشرق، وغدٍ أفضل، ولقد كانت ولازالت وستبقى بلادنا نبضا للعطاء، ورمزا للنماء. * المستشار الشرعي وإمام وخطيب جامع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز