لم يكن طريق الحصص الذي سلكته منظمة أوبك مفروشا بالورد، بل كان الطريق مفروشا بالشوك تتخلله الحفر والمطبّات. ليس فقط لأن كل دولة كانت ترى أنها تستحق حصة أكبر -وأحيانا تكون مُحقة- من الحصة التي حصلت عليها بعض الدول الأخرى، بل أيضا بسبب التجاوزات من جميع الدول الأعضاء لحصصهم منذ بداية نظام الحصص عام 1982 إلى قبيل الاتفاق الأخير في 30 نوفمبر 2016، الذي تم التوصل فيه -كما أعلنت أوبك- الى خفض الإنتاج الفعلي الى 32.5 مليون برميل في اليوم، وهو يتطلب خفضاً قدره 1.2 مليون برميل في اليوم. لكن الحقيقة لو تمعنا بدقة في هذا الاتفاق الأخير يمكننا أن نفسره بأنه اتفاق على زيادة (وليس خفض) سقف الإنتاج إلى 32.5 مليون برميل في اليوم، لأن السقف السابق كان 30.0 مليون برميل في اليوم منذ بداية عام 2012 أي بزيادة صافية لسقف الإنتاج قدرها 2.5 مليون برميل في اليوم، وليس بخفض للإنتاج الفعلي بمقدار 1.2 مليون برميل في اليوم. هكذا من التفسيرين الآنفين المختلفين اختلافا كليا لاتفاق أوبك يتضح لنا أن كل شيء في الحياة نسبي يختلف تفسيره حسب الزاوية التي يروق للإنسان أن ينظر منها الى الشيء. دعونا نسير مع أوبك خطوة بخطوة في طريق الحصص الذي سلكته أوبك على مدى 34 سنة (منذ عام 1982 إلى عام 2016) لنتعرف على أهم المراحل الصعبة التي مرت بها أوبك. لقد غيّرت أوبك سقف الإنتاج وبالتالي أعادت توزيع الحصص بين أعضائها أكثر من 25 مرة (لا يوجد سجل دقيق لعدد المرات) خلال الأربع والثلاثين سنة من عمر نظام الحصص. عدم استقرار سقف إنتاج أوبك عند مستوى معين لفترة ملائمة للتسجيل، وبالتالي الحاجة الى إعادة توزيع الحصص بين الدول الأعضاء يعكس مدى الخلافات الكبيرة بين وجهات نظر الدول الأعضاء في أوبك. أيضا من العوامل التي تعيق تتبع مسيرة الحصص هو التغير المفاجئ الذي يطرأ في عدد الدول الأعضاء بسبب انسحاب عضو قديم أو انضمام عضو جديد الى المنظمة بين الحين والحين (كمثال: اندونيسيا، وإكوادور، والغابون، وأنغولا) مما يضفي الصعوبة على دقة حساب السقف الجديد، ويثير الخلاف على تقاسم التركة بين الأعضاء الباقين. كذلك من العوامل المؤدية الى عدم الاستقرار هو أن الحاجة للرجوع لسقف الإنتاج لا تحدث إلا عندما تكون أسعار البترول منخفضة إلى حد حدوث العجز في ميزانيات الدول المصدرة للبترول مما يدفع دول أوبك للرجوع والاحتكام لسقف الإنتاج المنسي في الأدراج وإحيائه من جديد للاتفاق على المستوى المناسب للظروف الآنية التي تكتنف أسواق البترول. تعالوا نرى ماذا حدث في نوفمبر 2014؟ كان سقف إنتاج أوبك الرسمي 30.0 مليون برميل في اليوم منذ عام 2012، وكان إنتاج أوبك الفعلي حوالي 31.0 مليون برميل في اليوم (أي يزيد عن السقف الرسمي بمليون برميل فقط)، وكان السعر حوالي 82.6 دولاراً للبرميل منخفضا تدريجيا من فوق 100 دولار بسبب تجاوز دول أوبك لحصصهم، فقرّرت أوبك أن تعقد اجتماعا على أمل أن يتم الاتفاق على خفض التجاوز لتفادي حدوث انخفاض أكثر في السعر. لكن أصرت كل دولة على التمسك بإنتاجها الفعلي، وبدأت سياسة إغراق السوق بالبترول فزاد إنتاج أوبك الفعلي إلى 33.37 مليون برميل في اليوم، وتدهور السعر الى 30.70 دولاراً في يناير 2016 وبقي السعر تحت 45 دولاراً للبرميل فعانت ومازالت تعاني جميع الدول المصدرة للبترول عجوزات كبيرة في ميزانياتهم. الخلاصة: لا يمكن أن نعرف هل سياسة المحافظة على الحصة أفادت أو أضرت الدول التي أغرقت السوق بالبترول من غير أن نعرف الفرق بين المنتج لسلعة متجددة كالسيارات وبين المستخرج لسلعة ناضبة كالبترول؛ وهذا الموضوع سيكون -إن شاء الله- مقال الأسبوع المقبل.