للحضارة محاسنها التي لا تُحصى، ولكن لها أيضاً سيئات وسلبيات، منها تلوث البيئة، وشدة الضجيج، وكثرة الزحام، وحصار المباني الاسمنتية، ولمع السراب في طرق الإسفلت، وهدير المصانع والآلات والسيارات، ممّا يوتِّر الأعصاب، ويؤثر على الصحة، وقد يصيب سكان المدن بالضجر وضيق الصدر والاكتئاب، ويدفعهم للحنين للصحراء بسكونها الراقي، وصفائها الرقيق الذي يتسرب للقلوب ويملأ النفوس بالهدوء والطمأنينة، وهوائها الطلق الذي يملأ الخلايا والحنايا بالصحة والراحة والانشراح، ونباتها الذي يفوح بالعطر والعبير في موسم الربيع ورمالها الممتدة بتشكيلات غاية في الفن الناعم، كأنها لوحات مجسّدة، وجبالها الشُّم التي توحي بالشهامة والشجاعة، وروابيها التي تهيم لها القلوب وتنبهر لرؤيتها العيون، فيشعر الإنسان بحرية المكان والزمان، والانعتاق من القيود، والاشتياق للبقاء في نقاء الصحراء بسحرها الذي لا ينتهي، وامتدادها الجميل الذي يشرح الصدر، ويفرح القلب ويطلق النظر ويسمو بالفكر، في نهارها المشرق الجميل، وفي ليلها الساجي حيث تومض ملايين النجوم في سماء سوداء، تجعل الناظر يسبح باسم الله العلي العظيم، وتكاد عيناه تخرجان من المحاجر اندهاشاً وإعجاباً وتعظيماً لبديع السموات والأرض .. البر زان وزان وقت المظاهير وعزّي لمن هو قاعدٍ ما مشى به والعرب مفتونون بحب الصحراء، أمس واليوم وغدا، حتى إنهم حين فتحوا العراق والشام وفارس، وسكنوا القصور، وعرفوا الحضارة والبساتيين زحفوا إلى الصحراء خارج المدن، وبنوا لهم بيوتاً من الشَّعَر، يخرجون إليها كثيراً، يرتاحون فيها ولها، ويستروحون هواءها ونقاءها، ويستريحون من صخب المدينة وسجن الأسوار والجدران.. وفي الرياض، إذا نزل الغيث، وطاب الجو، كثرت المخيمات حول الرمال والتلال، وقد رأيت في الثمامة، مخيمات كثيرة جداً، يبلغ طولها مجتمعة 50 كيلو متراً، مما يدل على أن عشق الصحراء، والحنين إليها، لا يزال يملك قلوب السعوديين، ويملأ نفوسهم بالحنين إلى جمال الصحراء وصفائها وهوائها الطلق. وللعرب في الحنين إلى الصحراء أشعار كثيرة جميلة صادقة صادرة من القلب. البَرّ زان وزان وقت المظاهير وعزّي لمن هو قاعدٍ ما مشى به ما شاف عشبٍ زايفٍ له دواوير في مربع عشبه يغطّي ترابه علّه من الوسمي المبكر شحاتير من مدلهمن ينثر الما سحابه ولا شاف سجات النشامى مسايير يدله بهم قلبٍ تزايد عذابه ولا شاف صيد البر وإطلاقه الطير لو هو على جول الحبارى ثعابه واشرافت المرقاب صبح وعصير يرتاح بال مولعٍ لا رقابه (عقاب السهلي) أقول لصاحبي والعيس تهوي بنا بين المنيفة فالضمار تَمَتَّعْ مِنْ شَميمِ عَرَارِ نَجْدٍ فما بَعْدَ العَشِيَّة ِ منْ عَرَارِ ألا يا حبذا نفحاتِ نجدٍ ورَيَّا رَوْضِهِ غِبَّ القِطَارِ وَأهْلُكَ إذْ يَحلُّ الحَيُّ نَجْداً وأنت على زمانك غير زار شُهُورٌ يَنْقَضِينَ وما شَعَرْنَا بَأنْصَافٍ لَهُنَّ ولا سَرَارِ فأما ليلهن فخيرُ ليلٍ وأقصرُ ما يكون من النهار (الصمه القشيري) عشقت القمر حيث القمر ينبعث به نور واخص الليالي البيض تزهاه ويزهنّه واحب الهوى لا هبّ من خايع ممطور وريح النفل حيث النفل طيب الخنه واحب الجماله والجماله عمل مبرور واحب الغناه وعز نفسي عن المنه واحب الصراحه والصراحه بها مسرور حيث الصراحه تقطع الشك والظنه واحب الكريم اللي يفرج عن المعسور اليا من عطى حتى اهله ما دروا عنه احب الرجال العارفه واكره المغرور من اغتر في بعض المظاهر يغرنه سقا الله ليال ماضيه قبل هدم السور نحفر العدود ونشرب الماء من الشنه نشوف البنات اليا اوردن كنهم الحور مهار مشاويلن بالاعياد معتنه على الماء تشوف بيوتهم كنهن القور كثير القبايل تقطن العد بالكنه على البال ذكراها ياليت الليالي دور ياليت الليالي ما خذنه يجيبنه تذكرت شيبان لنا يوم حنا بزور يحثوننا بالطيب والفرض والسنه لوعاشوا حياة قاسيه في بحر وبرور عسى الله يعوّضهم بمافات بالجنه يوم الذهب مايلبسونه بدون خصور جمال النسا ماهو من السوق يشرنه فقدنا حياة البدو مع شوفة المظهور ولا عاد به بدو ولا الطرش له حنّه (سليمان الهويدي) أنا تسري بي الذكرى مع الماضي وشيٍ فات وعشقة البادية تطري لي الذكرى وماضيها سلوم البدو والصحراء تذكرني بالحزات ديار أهل الطرب والجود والقالات تشريها ألا يا ما حلا دار بها البدوان والعادات جبال سهول هضب وحدب في تصريف واليها لَمَنْ حان الربيع وهَلّ وبله منشي النوات زهور الورد والأعشاب تزهاها مباديها ألا ياما حلا بيت الشَّعَر في جانح الهضبات مركّز بالكرب واطناب من الهبّات تحميها مجالس بَرّ وسط البر عشية بَرّ والجلسات حياة العز عزة عز والعادات تعطيها (عبدالرحمن السنحاني) الاستمتاع بالأجواء الربيعية بعيداً عن صخب المدينة