رؤية المملكة 2030 هي إعلان بالأحرف الكبيرة: إن الوضع الحالي غير مرضٍ، وإنه سوف يتم تغييره نحو الأفضل في المستقبل. ولذلك فإن هذا الإعلان الذي تمت ترجمته إلى برنامج وخطط عمل يفتح المجال للنقاش حول الأولويات التي يفترض أن نضعها على رأس اهتمامنا من أجل إحداث تلك النقلة النوعية في اقتصادنا وحياتنا. وأعتقد أن أكبر معضلة نواجهها تكمن في كون اقتصادنا قائما على أساس إنتاج سلعة ليس لديها ارتباطات أمامية أو خلفية باقتصادنا. فالمعدات التي تنتج النفط والسفن التي تنقله إلى أسواق العالم لا تتم صناعتها في الداخل. ولذلك فإن دورنا في هذه العملية يكاد يقتصر على استيراد معدات التنقيب وحفر الآبار وتمديد الأنابيب من الحقول إلى الموانئ. وهكذا يكون الذهب الأسود جاهزا للتصدير ليدر علينا العائدات التي نحتاجها. وعلى هذا الأساس فنحن نبيع للعالم سلعة لم يكلف إنتاجها اقتصادنا شيئا يستحق الذكر، لانعدام الروابط المشار إليها، في حين نستورد منه سلعا معقدة بما فيها معدات إنتاج النفط وبقية ما نستهلكه. فهذه المعادلة القائمة على إنتاج وتصدير سلعة غير مكلفة واستيراد كافة السلع المعرفية هي التي تحتاج إلى تغيير. إن الأسواق التي نتعامل معها هي لبلدان اقتصادها قائم على المعرفة knowledge-based economy في حين أن اقتصادنا ليس كذلك. وهذه الهوة سوف تتعمق مع دخول العالم عصر الثورة الصناعية الرابعة. ولذلك فإنه يفترض ونحن نتطلع إلى أحداث تغيير كبير في اقتصادنا أن نعطى هذه المسألة أهمية قصوى. وهذا يتطلب أول ما يتطلب تطوير الاقتصاد وتحديث هياكله على أسس تكنلوجية متقدمة لا تقل عما هو لدى البلدان الصناعية الأخرى. ولذا فإنه يلزمنا، على ما يبدو لي، تعديل أمرين على الأقل. الأول تغيير العقد القائم بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص والذي تم إرساؤه في أول خطة للتنمية. ففي بداية السبعينات كان هدف القطاع الحكومي آنذاك تكوين قطاع أعمال قوي من العدم تقريباً. وهذا قد تحقق. ولذلك فنحن الآن نحتاج ليس إلى قطاع أعمال تحت أي مسمى وإنما إلى شركات لا تساهم في تغيير هيكل الناتج المحلي الإجمالي فقط وإنما تضطلع بدور لا يستهان به في تعدد مصادر الدخل وفي تغيير هيكل ميزان المدفوعات. وهذا لا يمكن أن يتم بدون قيام شركات سعودية مصدرة مثل سامسونج وهيونداي. ولذا فإن القطاع الحكومي يفترض أن تتطور علاقته مع القطاع الخاص في هذا الاتجاه. فبدون الدعم الحكومي من الصعب أن نتوقع قيام شركات سعودية ذات طاقة تصديرية ضخمة للخارج. أما الأمر الآخر فهو التعليم. فهذا القطاع يفترض الارتقاء بمستواه وجودته سواء ما يتعلق منه بالمدارس أو المعاهد والجامعات. فقطاع الأعمال السعودي يحتاج إلى خريجي مدارس وكليات الأعمال. وأعتقد إن جامعة البترول والمعادن التي يلقى خريجو كلياتها طلبا قويا لدى الشركات يفترض أن تكون مع غيرها من الجامعات التي تهتم بالعلوم التطبيقية هي التي يزداد عددها. ولكن هذا لا يعنى الاقتصار على هذه الجامعات وحدها. فبلدنا يحتاج إلى كافة التخصصات ولكن بشكل أكبر إلى التخصصات العلمية.