أشار معالي وزير التجارة والصناعة على هامش اجتماعات وزراء التجارة لدول مجموعة العشرين في مدينة سدني الاسترالية إلى أن التجارة هي الدافع لنمو الاقتصاد الدولي وإيجاد فرص عمل. وهذا كلام لا غبار عليه بالتأكيد. ولكن هناك من قد يسيء فهم هذا الطرح ويعتقد أن التجارة هي القطاع الذي يفترض أن نعطيه الأولوية دونما غيره من القطاعات. وهذا غير صحيح. إن أهمية قطاع التجارة تنبع من أن هذا القطاع هو الذي يمكن منتجي السلع والخدمات من تسويق ما لديهم. فالناس لا تنتج حباً في الإنتاج بحد ذاته وإنما طمعاً في العائد الذي سوف يحصلون عليه مقابل ذلك. فنحن مثلاً عندما نستخرج النفط نبادر حالاً إلى تصديره، بعد استيفاء الطلب المحلي، حتى نحصل على المداخيل التي نحتاجها للانفاق على التنمية. وهذا الترابط بين التجارة والصناعة قد يؤدي إلى سوء الفهم وخلط أمور مختلفة مع بعضها. فنحن هنا أمام أحجية تشبه العلاقة بين البيضة والدجاجة ومن منهما الأول. ولهذا فإنه يجدر بنا في هذا الصدد أن نلاحظ أمرين على الأقل. الأول هو أن التجارة لا تخلق قيمة مضافة كبيرة وذلك على عكس القطاعات الانتاجية. فمنتجو السيارات مثلاً هم الجهة التي تساهم بنصيب الأسد في خلق القيمة التي بموجبها تباع السيارات في الأسواق. وهذا أمر طبيعي. لأن المصانع هي من يخلق السيارات من العدم وليس الوكلاء التجاريين. من ناحية أخرى تعتبر التجارة غاية بينما الصناعة والزراعة وأنتاج الخدمات وسيلة. فالدافع لانتاج السلع والخدمات هو الحصول على الارباح. وهذه الأخيرة لا يمكن الحصول عليها ما لم يتم بيع ما تم انتاجه. وهذا هو بالضبط ما عناه معالي الوزير كما يبدو لي. وفي الحقيقة فإن الفصل بين الانتاج والتجارة هو بحد ذاته فعل مصطنع إلى حدما. ففي السابق كان منتجو البضائع هم أنفسهم من يسوقها. ولكن ومع توسع الانتاج الصناعي والزراعي والخدمي أصبح الجمع بين قطاعي الانتاج والتسويق أمرا غير مجد. ولذا قامت الشركات بدعم الوسطاء التجاريين حتى يتسنى لها بيع سلعها عليهم فوراً وتوظيف العائد من جديد. وعلى هذا الأساس فإن الفائدة المجنية تكون كبيرة عندما تكون الصناعة والتجارة في نفس البلد ويكبر العائد أكثر عند التصدير للخارج. وعلى العكس من ذلك عندما يعتمد بلد ما على تلبية احتياجاته من الخارج. ففي هذه الحالة يكون المنتج الأجنبي هو المستفيد الأكبر. لأن الطرف المصدر يحصل على الغالبية العظمى من القيمة المضافة. بينما لا يحصل المستوردون الا على نسبية يسيرة تتناسب وحجم الاتعاب التي يبذلونها من أجل تسويق السلع الاجنبية في بلدهم. بل إن الوكلاء التجاريين في هذه الحالة يصبحون تابعين للاطراف التي يستوردون منها، ومسوقين لمصالحها. ولهذا فنحن يفترض ان نعطي القطاعات الانتاجة اهتمام أكبر. لأن هذه القطاعات هي التي تخلق قيمة مضافة كبيرة وتلعب دوراً في زيادة نسبة التوظيف في الاقتصاد. كما أن انتاج السلع والخدمات هو الأساس الذي يمكن أن نعتمد عليه في نمو حجم اقتصادنا وتنويع هيكل الناتج المحلي الإجمالي.