من أقصى النقد إلى عالم الرواية تنتقل الكاتبة سالمة الموشي نقلة نوعية في توجهها الأدبي لتصدر لنا رواية «يَهودِيّة مُخَلّصة» الرواية التي أطلت في سياق مختلف عما سبق من إصدارات في مجالي النقد في الأدب النسوي كتابي الحريم الثقافي بين الثابت والمتحول، وكتاب نساء تحت العرش، حدثتنا عن الرواية ومعنى أن يكون المرء روائياً ليكتب للبقاء وليس للانتشار، تؤمن بأن الأدب الجيد صالح للبقاء وبأن الرواية هي السهل الممتنع، والقراء الجيدون سيجدون طريقهم إلى كل ما يستحق القراءة. * لماذا الرواية؟ * لم يكن دخولي إلى عالم الرواية مصادفة، فقد سبقها تراكمات سابقة ومن ثم فإن الوقت فقط حان لأن أتجه للكتابة الروائية، وهذا ليس شأنا جديدا وبعيداً عن مجالي حيث أصدرت سابقا كتابي النقدي "الحريم الثقافي" و"نساء تحت العرش". مقارنة بإصداراتك السابقة ماذا قدمت في روايتك "يَهودِيّة مُخَلّصة" كتجربة جديدة؟ * لا مقارنة بين الإصدارات السابقة وبين الرواية، تلك كانت في مجال مختلف، والرواية في حد ذاتها مختلفة باعتبار الرواية عوالم ساحرة وفضاءات مفتوحة، وهي أشبه بحياة متفردة يمكن أن يعيشها القارئ بين غلافين، حيث يشارك الكاتب رؤيته وفلسفته، ولهذا تجد الروايات بشكل عام إقبال كبير من القراء؛ لأنها تضيف لهم بجانب متعة قراءة الرواية نمطا مختلفا من المعرفة والوعي. برايك، هل تخشى الكاتبة من أن تفسر كتاباتها وكأنها إسقاطات واقعية على محيطها، لاسيما في مجتمع محافظ لديه حساسية مرتفعة تجاه "كلام النساء"؟ * لا حاجة للخشية من هذا؛ لأنّه بالفعل يحدث، سواء من المتلقي الهاوي أو المتخصص، هناك دائما إسقاط وربط بين الرواية والكاتبة، وهذا قد يكون صحيحا إلى حد ما، فالكثير من الروايات التي طرحت تتحدث عن تجارب حسية ونفسية للكاتبة هذا بشكل عام يحدث، في روايتي لم يكن هناك مقاربة للشخصنة بقدر ما كانت تحمل أفكاراً في هيئة محكي، وفي نهاية الأمر تأويل النص لا يعود ملكاً خاصا للكاتب فهو متاح ومنفتح على الجميع، ولكل قارئ تأوله وتفسيره للنص الروائي. هل يمكن القول إن أعمالك تضمنت بث رسائل تنويرية بعيداً عن سلطة مجتمع محافظ؟ * بالتأكيد نعم، وجداً فمن العبث أن يكتب الكاتب لمجرد الكتابة هذا يعني أنه يكتب بلا معنى، لأنّ الهدف من الكتابة هو إيجاد المعنى وخلقه في ذهن القارئ، وكان هذا الهدف أحد أهم المنطلقات التي أكتب من خلالها، وعلى كل قارئ أن يجد المعنى والرسالة التي يبحث عنها، ولهذا نجد أن القراء يبحثون دائما في العناوين للروايات والكتب بحيث يجدوا شيئاً ما يلامس ما يرغبون في معرفته، أو كونه مقاربا لما يرغبون في تشاركه مع الكاتب. إلى أي حد تجدين أن روايتك "يَهودِيّة مُخَلّصة" تمثل امتداداً وانعكاساً لمشاكل المرأة السعودية وهمومها؟ * الرواية ليست من هذا النمط الذي له علاقة بالإصلاح الاجتماعي فهي ليست نسوية أو حقوقية؛ لأنّها رواية تدور في فلك مختلف يمس الفكر والروح البشرية بشكل عام، وهذا توجه مختلف تماماً عن كونها رواية اجتماعية، كما أشرت في سؤالك. هناك من يقول إن حضور المرأة في الأدب لا يوازي حضورها الباهت في الحياة العامة؟ * الحضور الباهت للمرأة سواء في الأدب أو الحياة العامة هو مسؤولية المجتمع، ومسؤولية المرأة ذاتها، وخلق عالم أكثر تميزا وحضورا بحاجة إلى أن تكون هناك تركيبة كاملة لمعادلة نفسية وفكرية لدى الطرفين، ومن المؤسف أن هذا لم يحدث على مستوى الحقوق المدنية حتى الآن، فمن الطبيعي أن يكون الوقت متأخراً على الحضور القوي غير الباهت في الأدب، ولهذا لازالت المرأة تقاتل بشراسة لتحضر بأناقة وقوة داخل الحركة الأدبية. في ملتقى ليالي الرواية طرحتي سؤالا: لماذا لا تحظى الروايات الجادة بالانتشار كما تحظى به الأخرى؟ ما هي رؤيتك الخاصة لهذا الأمر؟ وهل يشكل لك الانتشار هاجساً بالنسبة لك؟ * نعم، أعتقد أنّ الروايات الجادة فعلياً وعلى أرض الواقع لا تحظى بالكثير من الجاذبية وربما ستحظى بالقليل من القراء، لكنها ستحظى بالبقاء الأطول كأدب صالح للقراءة، وفي الواقع هذا الأمر لا يشكل لي قلقاً من أي نوع، لأنني أكتب للجميع وليس لفئة ما، أكتب للبقاء وليس للانتشار، وهنا ينتهي دوري ككاتبة وتبقى فكرة الانتشار وجاذبيتها لفئة دون الأخرى هي مسؤولية أو دور القارئ، فمن يبحث عن روايات لتسليته قبل النوم سيجد طريقه إليها، ومن يبحث عن روايات ذات نمط خاص تمنحه معرفة معينة أو ذوقا روائيا ما فسيجد أيضا الطريق إليها، هناك من يقرأ الرواية ظاهرياً فلا تعني له أكثر من سرد ممتد من الغلاف إلى الغلاف، وهناك من سيقرأ رواية ما لتعني له معاني كثيرة، من بين كل هؤلاء، وبالتأكيد هناك قراء سيجدون طريقهم إلى الرواية الجيدة بطريقة ما.