تتعامل الروائية الناقدة سالمة الموشي مع الكتابة باحتراف كونها تؤمن بأن العمل الجاد لا يرحب بالهواة، خرجت علينا من بين المعذبين بهموم الإنسان، وروت جما من حكايات ارتبطت بالذاكرة من خلال الأساطير. تكتب لتصحح المفاهيم وتنتصر للكتابة المبدعة، تجمع في السياقات بين زهور البنفسج وشوك الحنظل، إذ لكل شيء جماليته. فهناك جمال القبح وقبح الجمال شأن جمال الجمال. ترى أن بعض البشر يمضون كقطيع وديع وفق خطة كونية دون أن يدركوا من أين وإلى أين. أصدرت كتابها «الحريم الثقافي» فأثارت جدلا ثم صدر لها (يهودية مخلصة) فاتسعت دائرة الجدل والحوار وهنا جانب منه: الحريم الثقافي بين الثابت والمتحول من الكتب المثيرة. لماذا أثار الكتاب الجدل؟ أثار كتابي الحريم الثقافي الجدل لأسباب عديدة أهمها أنه جدير بأن يكون مثارا للجدل بالفعل ولأنه تناول بعمق نقدي حركة الأدب النسائي للكاتبات السعوديات في الوقت الذي ألف النتاج الأدبي لهن المديح والتضخيم المزيف فكان صادما للنقاد أنفسهم الذين ضللوا الكاتبات زمنا طويلا وجعلوهن في دائرة الكتابة الحريمية ولم يضيفوا لهن وصادما للكاتبات اللواتي تناولت إصدارتهن، بالإضافة إلى كوني أصدرت الكتاب وأنا في مرحلة الدراسة الجامعية ولست أكاديمية كما اعتقد البعض، وحيث توقع الجميع أن أصدر خواطر أو مجموعة قصصية كنت فعليا في مرحلة تجريب وتطبيق لأدواتي النقدية وقراءاتي النقدية على كل ما أصدر عبر حقبة زمنية. من أين جاء مصطلح الحريم؟ هو لم يستحدث من العدم مصطلح الحريم موجود عبر التاريخ الإنساني منذ القدم ونجده على امتداد العصر العباسي والأندلسي بشكل كبير ويعرف كمصطلح بأنه «ما يحرم فلا يمس» وحرمه من المحرم من الأشياء والكثيرة الخصوصية، وكان ومازال يطلق على الزوجات وسابقا على الجواري. وعلى أن الحريم كظاهرة مادية تكاد تكون اختفت ولكنها كنمط مفاهيمي مازالت حاضرة وتأخذ أشكالا عديدة ومنها ظاهرة «الكتابة» النسائية. هل انتهجتِ في الكتاب إثارة أسئلة أم توفير إجابات؟ التساؤلات الكبرى هي محاولة للإجابة على لماذا انشغل التوجه الأدبي بالانشغالات الصغيرة والهامشية. نعم انتهجت في كتابي «الحريم الثقافي» جانب الأسئلة المختلفة إلى حد كبير والأجوبة التي تخرج من العمق وليس على السطح مثل لماذا أصبحنا على هذه الوضعية من التسطيح الإبداعي، ولم يتخذ الأدب النسائي شكله الحكائي النسائي وليس النسوي بالمعنى المختلف. التساؤلات الصادمة وحدها القادرة على تفسير كيفية الخروج من منطقة المحكي إلى منطقة الفكر. لماذا لم يصل تعامل نقاد الحداثة مع كتابك إلى المستوى المأمول؟ ليس لدينا نقاد حداثيون بهذا المعنى الكبير الذي يمكن أن أقول إنه شكل تحولا مرحليا للحركة الأدبية لدينا كما أن كل ما نحتاجه هو نقاد تفكيكيون على طريقة جاك دريدا وليسوا حداثيين. ولست أنتظر نقدا بقدر ما أنجزت منجزي ومضيت. وعلى أن كتاب «الحريم الثقافي» تناوله نقاد عرب من أرجاء الوطن العربي إلا أن الصمت الذي ساد في داخل المشهد الثقافي المحلي تجاه الكتاب هو إجابه قاطعة بأن ما كتب من حقائق نقدية كان صادما على المستوى النقدي والتفكيكي للنص النسائي الذي تم تضليله من قبلهم لدرجة الصمت. وأحيانا يكون الصمت حكمة. بماذا تردين على من يقول (حتى المثقفة السعودية والناقدة تحتاج مساندة الرجل)؟ لا أنظر للأمر من جانب تصنيفي نوعي بمعنى رجل أو امرأة. المثقف / المفكر الحقيقي بفكره وليس بالنوع. وأرد على هذا بأننا جميعا مثقفين ونقادا وكتابا نحتاج لنقطة تنوير بشكل ما في أية مرحلة من حياتنا على مستوى الكتابة والإبداع لا أحد كاملا. ولكن على المثقفة السعودية أن تدرك أنها ليست بحاجة للرجل كوسيط أو داعم لتكون مثقفة أو كاتبة فإن لم تكن كيانا حقيقيا مكتفية وواثقة من قدراتها وأدواتها فإنها ستظل في الصف الخلفي للرجل دائما وعليها أن تختار مكانها الذي يليق بها وتتحرر من وهم أن الرجل المثقف هو من يمنحها قبلة الحياة لتكون. متى يمكن للمرأة تحقيق استقلاليتها، وما شروط ذلك؟ الاستقلالية ليست قاصرة على نمط محدد من الحياة، هناك من تحقق استقلالية اقتصادية وهناك من تحقق استقلاليه فكرية وكلها نتاج وجود الحرية. وهنا لا يمكنني استخدام كلمة استقلالية دون مرادفها وهو كلمة «حرية» مفهوما ومعنى سواء الحرية المالية أوحرية التفكير والوعي فإذا تحققت الحرية للمرأة تتحقق استقلاليتها والحرية المقصودة هنا هي تحرير المرأة من القيود التي تعيقها في مجتمعها والحرية التي تعيق وعيها بذاتها. ما سر التحول السريع من النقد إلى الرواية؟ ليس تحولا بل إن الوقت حان فقط لأكتب الرواية من يكتب النقد يمكنه أن يكون روائيا لأنه يمتلك الأدوات بينما لا يمكن للروائي أن يكون ناقدا وأنا قد بدأت كناقدة ولدي إيمان بأن الرواية هي المساحة المتاحة والمرنة التي يمكننا أن ندون فيها تفاصيل قبح العالم وجماله وتاريخه بدلا من الاكتفاء بنقده. العادة في كتابات مثقفينا العودة إلى تراثنا الإسلامي. «يهودِية مخلصة». توظيف لموروث مسيحي يهودي لماذا؟ ليس صحيحا أن العادة لدى مثقفينا يجب أن تكون بالعودة إلى التراث الإسلامي، فهناك فرق بين النص الديني والنص الإبداعي. والإبداع بشكل حقيقي لا يجب أن يوظف الموروث الذي يعيشه بل يكون ممتدا إلى عمق الحضارة البشرية وإلا كان إبداعا ذا طابع مخصوص لمجتمع مخصوص. توظيفي للمورث المسيحي اليهودي لا يلغي غيره والموروث المسيحي واليهودي مذكور بتفاصيل كثيرة في القرآن الكريم بمعنى ليس مستحدثا أو غامضا. فقط أنا خلقت نصا إبداعيا مع كثيرمن الإسقاطات التاريخية والإنسانية التي تتشابه في أصولها. هل من السهل أن نستلهم من لم نخالطهم ونعاشرهم في رواياتنا؟ تقصد حياة اليهود كما فهمت من السؤال. نعم من السهل أن نستلهم حياة الآخر خاصة أن كان الكاتب متعمقا في الحضارات القديمة واللاهوتية والتاريخية كما حدث معي ومن السهل جدا والدليل أننا نستلهم حياة ونمط وتاريخ أقوام عاشوا قبل 1400سنة وكأنهم يعيشون بيننا تماما. ليس بالضرورة معايشة بشر في حقبة ما لنكتب عنهم. ولهذا يخلد النص الكثير من الحضارات والحكايات. كيف يمكن تناول الآخر سرديا ونحن لم نتناول كل أزماتنا بعد. أم أن الأزمات تتشابه؟ النص الروائي ليس معنيا بالأزمات المجتمعية لأنه يعمل على أزمة الإنسان في داخل الزمان والمكان وليس العكس؛ ولهذا فإن الآخر هنا هو الإنسان ذاته في كل حالاته المأزومة وانتكاساته. لا يوجد آخر بالنسبة لي، يوجد فقط الإنسان وهو ما تناولته سرديا. ما قيمة الفلسفة في العمل الإبداعي؟ إذا لم يمتلك الروائي حس الفلسفة وعمقها فإن عمله يكون أشبه بوجبة طعام ممل وبارد. القارئ لا يبحث عن الحكايات والنصوص المجردة بل يبحث عن فلسفة المعنى وعن استلهام المغاير والجديد من كل رواية يقتنيها؛ ولهذا الفلسفة في العمل الإبداعي هي روح النص الإبداعي روائيا أو نثريا. ألا تستهلك المقالة النصيب الأوفر من طاقة الروائي أو الناقد؟ المقالة فن مختلف تماما عن الرواية أو النقد. وحين يكون هناك وعي بالاختلافات ستتكون هناك مسافة قائمة بين كل نص وبهذا يوظف الكاتب توجهاته بالشكل الصحيح ويركز طاقته فيما يكتبه. ما الذي تأملينه بعد طرح روايتك «يهودِية مخلصة». لدي حاليا عدة عروض لتحويلها إلى فيلم سينمائي. وآمل أن تصل للعالمية ويقرأها كل من يؤمن بالإنسان والحب وخلاص الروح ومؤمنة بأني قدمت نصا روائيا مختلفا.