أدت سياسة التوطين التي فرضتها الجهات الحكومية على قطاع الأعمال إلى حالات توظيف مختلفة المشارب، منها ما هو استراتيجي تقوده الشركات الكبرى التي احتضنت مواطنين مؤهلين، ورسمت لهم مساراً وظيفياً واضحاً استطاعوا من خلاله التقدم في درجات السلم الوظيفي إلى أن أصبح المؤهلين منهم قيادات يشار إليها بالبنان، فيما لازالت المؤسسات الصغرى والمتوسطة تدور في فلك التوظيف والتسريح، متعلقة بسياساتها التي اتخذت من توظيف السعوديين مجرد إجراء إداري لتحسين سجلها في مكتب العمل، فلا يؤدي أولئك الموظفون أي دور يذكر سوى الانتظار في مكاتب المؤسسة طيلة ساعات العمل، الأمر الذي يجعل توظيفهم يمثل تكلفة على تلك المؤسسات دون مردود يذكر، وفي ذات الوقت يُفقد أولئك الشبان أي خبرة كان يمكن اكتسابها من العمل في تلك المنشآت. ويلقى باللوم أحياناً على الشبان الذين يتراخون في العمل والانضباط، وكذلك تنقلهم الكثير بين الشركات من أجل فوارق بسيطة في الرواتب، فلماذا يفعلون كل ذلك؟ وما هي أفضل الطرق لاستقرار أولئك الشبان في تلك المنشآت؟ عدنان المزروع -خبير الموارد البشرية- أكد أن غياب المسار الوظيفي، والعمل المؤسساتي في المنشآت الصغيرة والمتوسطة أدى إلى شعور الموظفين السعوديين بعدم الأمان، الأمر الذي يجعلهم غير متفانين وغير منضبطين في تلك الوظائف، مؤكداً أن ذلك يمثل سبباً مهماً في كثرة الدوران للسعوديين بين شركات القطاع الخاص. وأشار إلى نسبة كبيرة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كانت إلى قبل عامين توظف سعوديين فقط لتكملة عدد المواطنين المطلوب لتسحين سجلها في وزارة العمل، دون الايمان بقدرات أولئك الشبان أو حتى تمكينهم من العمل، ما أدى شعور أولئك الشبان بالتهميش إضافة إلى رواتبهم المتواضعة، وبالتالي بحثهم المستمر عن مكان آخر يجدون فيه شعوراً بالأمان الوظيفي والرواتب الجيدة. وأكد أن الشعور بالأمان وكذلك الرواتب المجزية سيمثلان عاملا استقرار بشكل كبير للسعوديين في المؤسسات الصغرى والمتوسطة، مبيناً أن عدم منح السعوديين رواتب جيدة، وعدم شعورهم بالأمان الوظيفي، وعدم منحهم مسار وظيفي واضح، كل ذلك يرفع تكلفة التوطين على تلك المؤسسات بشكل أكبر منه لدى تلك المؤسسات التي توظف سعوديين برواتب جيدة، وتمنحهم المسار الوظيفي الكفيل بشعورهم بالأمان الوظيفي الذي يجعلهم يعملون بإخلاص وتفان كبيرين بغية الترقية والحصول على الحوافز المحتملة.