عندما أردنا السفر لنيويورك لأول مرة، حملنا هم المواصلات واجتهدنا بالبحث في المواقع والمنتديات عن الوسيلة المناسبة لتنقلاتنا، وكانت المفاجئة عند وصولنا أنه ليس هناك حاجة ماسة للمواصلات، فأغلب الأماكن السياحية في متناول القدم، الناس هناك كلهم يمشون حتى أنك تخجل من ركوب المواصلات وأنت ترى عجوزا هرمة تقضي حوائجها ماشية، يتوفر في الطرقات كل ما من شأنه أن يشجع الناس على المشي، فأنت تجد في جميع طرقاتهم مساحات واسعة مخصصة للجلوس مزودة بكراسي جميلة وأحواض زرعت بشجيرات صغيرة مطعمة بورود مختلفة الألوان تسر الناظرين، ووضعوا في حسبانهم كل ما يسهل ويخدم ذوي الاحتياجات الخاصة. وكذلك ساهمت المحلات التجارية والمولات بتخصيص مساحات للراحة مجانية وتنافست فيما بينها بابتكار تصاميمها.. وزودت الشوارع بممرات للمشاة مع تنظيمها بإشارات مرورية واضحة وتقاطعات قصيرة، تمكنك معها للوصول لهدفك دون الحاجة لبذل مزيد من الجهد، فأنت تستطيع الوصول للأحياء المجاورة بيسر وسهولة، فعناوينها واضحة وتقاطعاتها مرقمة وكل ما عليك أن تتوكل على الله وتذهب لوجهتك مطمئن البال وتستمتع برحلة رجلية آمنة وميسرة. وما أن تعود من السفر حتى تتفاجأ بنزول وزنك، وقوة في عضلاتك، وشفائك من بعض الأمراض التي جلها من الكآبة والسأم. والسؤال الذي يطرح نفسه هو.. لماذا لا نمشي لقضاء حوائجنا وخاصة القريبة منا؟، هل نحن مرفهون لدرجة أننا لا يمكن أن نمشي حتى من باب الضرورة؟. الحقيقة أن العيب ليس فينا بل هناك أسلوب لتصميم المدن يصر على جعل ثقافة المشي عقيمة لدينا.. رغم أننا من أكثر الدول إصابة بمرض السكري وضغط الدم والكولسترول وأمراض القلب والسمنة، وكلها أمراض تعتمد في مكافحتها على ممارسة المشي، ورغم تخصيص الدولة ميزانيات ضخمة لمكافحة هذه الأمراض مما يثقل موازنتها دون مردودات اقتصادية عليها. فلو أخذنا مثالاً وأحداً من طرقاتنا الرئيسية وليكن طريق الملك عبدالعزيز، فأنك لا تجد فيه تقاطعات خصصت للمشاة ولا تجد فيه مساحة واحدة خصصت للراحة، كلها عبارة عن طرق سريعة صممت للسيارات فقط دون النظر لحاجة البشر للمشي، خذ مثالاً آخر.. طريق التخصصي الثمامة، يستحيل عليك العبور للضفة الأخرى إلا إذا كنت تنوي الانتحار. وهل رأيت كرسياً واحداً مخصص لراحة المشاة على طول طريق الملك فهد وعرضه؟. إذاً أننا بتصميم المدن نقضي على ثقافة المشي تماماً، ثم نطالب الناس بالمشي لتحسين صحتهم، وهذا نداء لا مردود له، لأن المدن لم تهيأ لهم بل لسياراتهم وكأن من صممها يقول رجاءً لا أحد يمشي!. إننا محرومون من نعمة عظيمة تتمتع بها الأمم، ورغم أن حرارة الصيف ليست مانعاً من ممارسة المشي، فان لدينا فصولا طويلة من السنة يكون الجو فيها بين المعتدل والبارد. وبينما أنا أتمشى في غير أرضي، تمنيت أن أرى في (رؤية 2030) ما يغير الواقع الحالي لطرقاتنا، ليتغير معه أسلوب حياتنا إلى نظام حياة أكثر صحة ومتعة.